الأحدث

فتوى في خيانة الوطن

د.م. سفيان التل – عمان.
أنا لست ممن يفتون، ولكن كنت أتابع على الشبكة العنكبوتية زخم الأخبار وكثرة الكتّاب، والاختلاف على تفسيرات الفتاوى، وخطر ببالي أن أبحث على الشبكة العنكبوتية عن مفهوم خيانة الوطن، وكيف يُعرّف، أو يُفسّر هذا المصطلح.

وحاولت البحث في عدة مراجع، واهتديت إلى وثائق الأزهر الشريف وسجل الفتاوى في أرشيفه، فوجدت سجلاً باسم “فتاوي الأزهر ودار الإفتاء في 100 عام”. وقلت لا بأس من أن أنقل بعض ما قرأت إلى القرّاء؛ لتعميم الفائدة، وللقارئ أن يقرأ ويفسر ويقيس بعقلة وسعة إدراكه، وبعد ذلك عليه أيضا ألّا ينسى القول المشهور: استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وإن أفتوك. ومن المهم أن أشير إلى أنّ عدد الزيارات لهذه الفتوى، كما ورد على الشبكة، قد زاد عن أربعة ملايين زيارة، وبالتحديد كان (عدد الزيارات: 4315354). وأمّا عدد المرات التي طبعت فيها هذه الفتوى فقد زادت عن سبعمائة ألف طباعة، وبالتحديد كانت (مرات الطباعة: 722434). وإن دل هذا على شيء فإنّما يدل على أنّ موضوع خيانة الوطن قضية تشغل بال الملايين، فلا يضن خائن لوطنه أنّه في مأمن من عيون الناس.

وإليكم الفتوى كما وردت في السجل دون زيادة ولا نقصان.

الموضوع ( 1053 ) خيانة الوطن. المفتي: فضيلة الشيخ حسن مأمون. جمادى الأولى 1367 هجرية – 5 ديسمبر 1956 م. المبادئ:

 1- الخيانة للوطن من الجرائم البشعة التي لا تقرها الشريعة الإسلامية.

2- لم تحدد الشريعة الإسلامية عقوبة هذه الخيانة، وتركت لولى الأمر تحديدها بما يردع صاحبها، ويمنع شره عن جماعة المسلمين، ويكفي لزجر غيره. سئل: من السيد/ مندوب مجلة التحرير، قال: ما حكم الشريعة الإسلامية في المسلم الذي يخون وطنه في هذه الوقت الحاضر. أجاب: إنّ الشريعة الإسلامية أوجبت على كل مسلم أن يشارك إخوانه في دفع أيّ اعتداء يقع على وطنه، أو على أيّ وطن إسلامي آخر، لأنّ الأمة الإسلامية أمة واحدة. قال الله تعالى: {إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء 92، وكل بلد أغلب أهله مسلمون يعتبر بلدا لكل مسلم. فإذا وقع اعتداء من حكومة أجنبية على أيّ وطن إسلامي بقصد احتلاله،

أو احتلال جزء منه أو بأيّ سبب آخر -فرض على مسلمي هذه البلد فرضا عينيا أن يجاهدوا ويقاتلوا لدفع هذا العدوان، وعلى أهالي البلاد الإسلامية الأخرى مشاركتهم في دفع هذا العدوان، ولا يجوز مطلقا الرضا إلا بجلاء المعتدي عن جميع الأراضي. وكل من قصر في أداء هذا الواجب يعتبر خائنا لدينه ولوطنه وبالأولى كل من مالاء عدو المسلمين وأيده في عدوانه بأي طريق من طرق التأييد يكون خائنا لدينه – فإن الاعتداء الذى يقع على أي بلد من البلاد الإسلامية اعتداء في الواقع على جميع المسلمين- والخيانة للوطن من الجرائم البشعة التي لا تقرها الشريعة الإسلامية، والتي يترك فيها لولى الأمر أن يعاقب من يرتكبها بالعقوبة الزاجرة التي تردع صاحبها، وتمنع شره عن جماعة المسلمين وتكفى لزجر غيره – ولم تحدد الشريعة الإسلامية هذه العقوبة وتركت لولى الأمر تحديدها. شأنها في ذلك شأن كل الجرائم السياسية. فقد جاء في الجزء الثالث من ابن عابدين ما نصه والجهاد فرض عين إن هجم العدو. فيخرج الكل، أي أن دخل العدو بلدة بغتة. وهذه الحالة تسمى النفير العام، وهو أن يحتاج إلى جميع المسلمين. ولا أعلم مخالفا لذلك من المسلمين ونصت الآية الكريمة على وجوب قتال الكفار إذا قاتلوا المسلمين وبدأوهم بالعدوان قال الله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } البقرة 190، 191، 192،

193 ، وقد نهى القرآن عن اتخاذ أعداء المسلمين أولياء. قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون} الممتحنة 1، 2، وحكم هذه الآية كما ينطبق على المشركين الذين أخرجوا الرسول من بلده ينطبق على كل طائفة غير مسلمة تهاجم بجيوشها دارا من ديار الإسلام. والله أعلم.