الأحدث

ما وراء الخبر-التوجهات النووية العربية وموقف الغرب منها -2008

التوجهات النووية العربية وموقف الغرب منها
مقدم الحلقة: محمد كريشان
ضيفا الحلقة:

  • محمد إبراهيم شاكر/ مسؤول سابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • سفيان التل/ مقرر سابق في برنامج الأمم المتحدة للبيئة
    تاريخ الحلقة: 27/3/2008

  • محمد كريشان: السلام عليكم. نتوقف في هذه الحلقة عند إعلان عدد من الدول العربية كمصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين خطة لتطوير برامج نووية سلمية في إطار ما يسمى إستراتيجيات أمن الطاقة الرامية إلى تلبية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء والماء. وفي حلقتنا محوران، ما الذي يبرر اندفاع العرب وحماسة الغرب لخيار الطاقة النووية السلمية برغم المخاوف التي يثيرها؟ وهل البلدان العربية مؤهلة لإدارة برامج نووية كهذه بما يحقق أهدافها بصورة مجدية وآمنة في نفس الوقت؟. الخيار النووي حلم عربي قديم رأى النور برهة ثم تلاشى بعد ما اغتالته إكراهات السياسة وتعقيدات الواقع، وهو اليوم في نظر الساعين إليه حاجة تمليها ضرورات أمن الطاقة بعدما أدرك العالم كله أن النفط طاقة نابضة. صحيح أن الفكرة النووية راودت العقل العربي منذ عقود ولكنها اكتسبت في الآونة الأخيرة زخما مصحوبا بحماسة غربية غير معهودة لامتلاك العرب تقنية تثير اليوم واحد من أخطر الصراعات، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دافع صراحة عن حق العرب في التقنية النووية وذلك في مقابلة سابقة مع الجزيرة مع ليلى الشايب.

[شريط مسجل]

نيكولا ساركوزي/ الرئيس الفرنسي: بعد نحو أربعين تماما سينضب البترول، وبعد نحو قرن سينضب الغاز والطاقة النووية ستكون البديل، فالطاقة النووية هي طاقة المستقبل، فتحت أي مسمى يمكن حرمان الدول العربية من طاقة المستقبل؟ إذاً نحن نقول إن الطاقة لأغراض سلمية ومدنية ليس هناك ما يدعو إلى منعها عن العرب، كما أن مثل هذا المنع سيضفي الشرعية على ادعاءات قادة إيران الحاليين بأن الطاقة النووية السلمية هي حكر على الدول الغربية.

[نهاية الشريط المسجل]

مبررات التوجهات العربية النووية والموقف الغربي منها

محمد كريشان: معنا في هذه الحلقة الدكتور محمد إبراهيم شاكر الممثل السابق لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمم المتحدة ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، ومن عمان الدكتور سفيان عارف التل المقرر العام الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أهلا بضيفينا. الحقيقة ما استمعنا إليه لساركوزي هو مجرد نموذج لما يبدو تفهما أو حتى حماسة غربية في الوقت الحالي للتطلع النووي العربي، نريد أن نسأل الدكتور محمد إبراهيم شاكر في القاهرة، كيف ينظر إلى هكذا موقف غربي يفترض أنه كان يكون أكثر حذرا في هذه المسألة؟

محمد إبراهيم شاكر: تجربة مصر منذ الثمانينات أن الغرب مستعد لمساعدة من يرغب من الدول العربية في هذه المنطقة للاستثمار في توليد الطاقة الكهربائية بواسطة المفاعلات النووية، فمصر اهتمامها بهذا الموضوع موضوع قديم، في الثمانينات. وعقدت مصر عدت اتفاقات مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا لتوريد اليورانيوم لتصنيعه فيما بعد كوقود لمفاعلات المستقبل، فهناك كانت رغبة حقيقية في مساعدة مصر في تحقيق هذا الحلم بالاستثمار في الطاقة النووية.

محمد كريشان: يعني إذاً هذا الموقف الغربي تراه دكتور غير جديد يعني؟

محمد إبراهيم شاكر: لا، غير جديد ونحن لم نجد، عندما انضمت مصر لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في عام 1981، لم نجد أي صعوبة في التفاوض حول هذه الاتفاقيات وكان هدف مصر من وراء ذلك هو تنويع مصادر الطاقة النووية حتى لا نعتمد على مصدر واحد أو على دولة واحدة أو على نوع واحد من المفاعلات، فكانت السياسة والإستراتيجية المصرية هي تنويع مصادر الطاقة من عدة مصادر غربية.

محمد كريشان: نعم، دكتور سفيان عارف التل في عمان، المتداول عموما في الأدبيات السياسية العربية بأن الغرب لا يريدنا أن نتقدم، الغرب يريد أن يعيق أي تطلع لنا نحو القدرات النووية أو غيرها، عندما يبدي الغرب حماسة، سواء في الماضي مثلما أشار الدكتور أو الآن، كيف ترى ذلك؟


العالم الغربي يقوم بلعبة خطيرة على العالم العربي من خلال إغرائهم بالمفاعلات النووية الحالية

سفيان عارف التل

سفيان عارف التل: الحقيقة أنا أرى ذلك أكبر دليل على ما تفضلت فيه أن العالم الغربي مصر على.. الحقيقة العالم الغربي يقوم بلعبة من أخطر اللعبات الممكنة على العالم العربي من خلال إغرائهم بالمفاعلات النووية الحالية. دعني أقول أولا المقولة القديمة التي تقول: من يسيطر على الطاقة يسيطر على العالم. وهذا ما حدث عندما تم اكتشاف النفط، فمنذ حوالي قرن والعالم الغربي يشن الحروب ويسيطر على الدول التي بها منابع النفط ومن أجل ذلك خلقوا إسرائيل في المنطقة ككلب حراسة وشنوا حربا على العراق وعلى أفغانستان وهم يحضرون لحرب على إيران، كما أن المؤامرات على فنزويلا قائمة، وحاصروا ليبيا، كل ذلك حتى يستمروا في السيطرة على النفط بعد أن تبين أن للنفط عمر محدود وسينضب بدؤوا هم يبحثون من أكثر من خمسين عاما عن بديل للنفط، لأنهم يخططون لإستراتيجية بعيدة المدى وتقرر بذلك التاريخ أن يبدؤوا بالمفاعلات النووية. الآن بعد التجربة المرة التي خاضتها أوروبا وأميركا في المفاعلات النووية، تبين ما يلي: أن هذه المفاعلان غير آمنة بتاتا وأدت إلى قيام استفسارات لدى الشعوب الأوروبية حيث قرر الشعب السويدي أنه لا يريد مفاعلات نووية وكذلك في ألمانيا والدنمارك وبذلك اتخذت القرارات القطعية في هذه الدول بتفكيك جميع المفاعلات بحيث يتم تفكيك كل مفاعل بعد أن ينتهي عمره الافتراضي..

محمد كريشان (مقاطعا): يعني هذا في الغرب لو سمحت لي فقط دكتور، هذا في الغرب يعني نعرف أن هناك دائما تحفظات على هذه المسائل خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالبيئة. على كل عندما نتناول هذا الموضوع النووي لا بد من إلقاء الضوء على التجربة النووية العربية خلال العقود الماضية كانت هناك مصر، كانت هناك العراق، كانت هناك ليبيا، لنتابع هذا التقرير حتى نضع النقاش في إطاره الضروري.

[تقرير مسجل]

إيمان رمضان: برنامج نووي مصري، تبدو محاولة لبعث الروح في مشروع مصري قديم اغتالته ظروف سياسية وإرادات خارجية مثلما اغتالت خيرة علماء مصر وباحثيها في المجال النووي. مبارك في موسكو يبحث عن دعم لوجستي لم تجد به واشنطن لبناء برنامج نووي سلمي، ذلك المشروع الناصري القديم، هل يعيد التاريخ نفسه؟ فقبل 52 عاما اتجه عبد الناصر إلى السوفيات ليوقع في المكان ذاته اتفاق تعاون في مجال الطاقة النووية بعد ما يئس من دعم أميركي خلفه رفض واشنطن ومن ورائها البنك الدولي لتمويل بناء السد العالي، وولد المشروع الذي سرعان ما قتلته هزيمة 67 في مهده. غير أن المحاولات المصرية لإحيائه لم تنقطع، حتى سطر التعنت الأميركي أواخر السبعينات نقطة النهاية للحلم القديم، فقد أصر الأميركيون على إضافة شروط جديدة على معاهدة التعاون النووي مع مصر مما يتيح لهم تفتيش المنشآت النووية المصرية كشرط لتنفيذ المشروع، أمر أعتبرته الدول المصرية ماسا بسيادتها، ثم كانت النهاية عام 1996 عندما وقعت القاهرة على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية. الحلم لم يكن يوما قاصرا على مصر إذ امتدت أصداؤه عبر فكرة القوميات العربية في الخمسينات إلى كافة بلدان المنطقة، غير أن مصير المشروع النووي في كل منها كان واحدا، القتل. فقد قصفت إسرائيل المفاعل العراقي عام 1981، بينما أشارت تقارير غير مؤكدة إلى أن هذا هو المصير ذاته الذي آل إليه المفاعل النووي السوري الوحيد إذ قصفته إسرائيل وهو قيد الإنشاء، وهو ما نفته دمشق. الحال لم تكن أفضل في ليبيا فقد فككت طرابلس برنامجها النووي قبل بضعة أعوام في إطار صفقة أخرجت ليبيا من قائمة الدول الراعية لما يسمى الإرهاب. واليوم يتجدد الحديث عن أهمية برنامج نووي مصري وآخر إقليمي في الخليج وفي الخلفية تقف الترسانة النووية الإسرائيلية ماردا لم تفلح التوقيعات العربية على كافة معاهدات منع انتشار الأسلحة النووية في حبسه داخل قمقمه.

حسني مبارك / الرئيس المصري: أعلن أمامكم قرار مصر بدء برنامج لبناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء، سنمضي في ذلك اقتناعا بأن أمن الطاقة عنصر رئيسي في بناء مستقبل هذا الوطن وجزء لا يتجزأ من منظومة أمن مصر القومي.

إيمان رمضان: وفي منطقة الخليج يتردد الحديث عن مشروع نووي أيضا، بينما يقف الهاجس النووي الإيراني على الضفة الشرقية للخليج العربي ماردا آخرا، الفرصة مواتية إذاً لتسويق منتج أوروبي خرج بسبب الماردين من دائرة الكماليات فوقعت الإمارات وفرنسا خلال زيارة ساركوزي اتفاقا للتعاون النووي تبلور بتوجه إماراتي لتأسيس هيئة للطاقة النووية تمهيدا لتطوير برنامج سلمي بمساعدة دول صديقة ومؤسسات عالمية.

[نهاية التقرير المسجل]

محمد كريشان: ضيفانا كانا مختلفين في تقدير الموقف الغربي فيما يتعلق بمدى التعاون مع التجارب النووية العربية الجديدة إن صح التعبير، نريد أن نسأل دكتور محمد إبراهيم شاكر، عندما نرى الآن حديث مصر عن مشاريع جديدة، إشارات من السعودية، من البحرين، مشروع فرنسي إماراتي، هل من رابط بين كل هذه التوجهات النووية العربية الجديدة؟

محمد إبراهيم شاكر: هذه التوجهات النووية السلمية عبارة عن جزء من موجة كبيرة جدا اليوم العالم بيشهد نهضة نووية في كثير من أنحاء العالم في آسيا في الولايات المتحدة نفسها التي توقفت عن الاستثمار في الطاقة النووية لسنوات عديدة بعد حادثة Three Mile Island في بداية الثمانينات، فهناك ما يسمى بالنهضة النووية في كثير من أنحاء العالم، وأعتقد أن الاهتمام العربي بذلك هو جزء من هذه النهضة النووية التي تشهد اهتماما جارفا في أنحاء العالم فهي جزء من الاهتمام العالمي بهذه القضية.

محمد كريشان: ولكن هذه النهضة بالنسبة لدولة مثل مصر قد تبدو نوعا استئنافا لطموح سابق. نريد أن نسأل الدكتور سفيان عارف التل، ماذا عن الدول الأخرى، عندما تشير البحرين إلى رغبتها أو عندما توقع الإمارات اتفاقا مع فرنسا، ما الذي يدفع دول مثل هذه أن تدخل هذه التجربة؟

سفيان عارف التل: يا سيدي جوابا على سؤالك الذي طرحته على الدكتور محمد أن الرابط بين هذه الدول التي دخلت على المفاعلات النووية هي أنها جميعا تدور في الفلك الأميركي، الدول التي لم تكن تدور في الفلك الأميركي قوومت وضربت مفاعلاتها ومنعت من أي نشاط نووي واضح، ليبيا والعراق وإيران وغيرها..

محمد كريشان (مقاطعا): ولكن عفوا، يعني فقط للتوضيح، ولكن دول أخرى مثلا ليبيا من تلقاء نفسها يفترض، الجزائر ظروفها الداخلية هي التي حتمت عليها أن تتراجع ربما، يعني ليس بالضرورة الغرب هو الذي يجبرها على ذلك.

سفيان عارف التل: لا، تحت الضغوط الأميركية، لو تركت وحدها لأصبحت دولا نووية واضح. النقطة الأخرى أنه ليس صحيحا أن هناك نشاط نووي كبير في أميركا، بل العكس أميركا وأوروبا اكتشفوا بعد الحوادث غير الآمنة للمفاعلات النووية أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هي الطاقة البديلة وبدؤوا بسن القوانين وإقامة المزارع الضخمة جدا والعملاقة لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ويؤكد هذا التوجه أن أوروبا وأميركا التي تخطط للمدى البعيد تدرك أنه بعد عشرين عاما بعد أن تكون معظم مفاعلاتها النووية قد تم تفكيكها، تكون بحاجة إلى مصادر طاقة جديدة هي تكون مصادرها من الطاقة الشمسية، وتريد أن تحرم العالم العربي بصحاريه الطويلة العريضة التي يمكن أن تكون أكبر منتج للطاقة الشمسية وطاقة الرياح من أن يعود ويكون مالك الطاقة مرة أخرى..

محمد كريشان (مقاطعا): هذه نقطة مهمة جدا دكتور، لنسأل الدكتور محمد إبراهيم شاكر حول هذه المسألة ثم نأخذ فاصل، تفضل دكتور.


الطاقة الشمسية لها مستقبل كبير جدا في المنطقة العربية لكن الطاقة الشمسية ما زالت ضعيفة في توليدها للمحطات الكبيرة

محمد إبراهيم شاكر

محمد إبراهيم شاكر: الطاقة الشمسية طبعا كذلك لها مستقبل كبير جدا في المنطقة، هي الفكرة أنه لا بد لنا كدول عربية أن ننوع مصادر الطاقة لدينا، الطاقة الشمسة ما زالت هناك صعوبة في توليدها بمحطات كبيرة، يعني بمحطات ضخمة زي المحطات الخاصة بالمفاعلات النووية تصل إلى ألف ميغاواط، لم تنجح حتى الآن التكنولوجيا في تصميم منشآت تولد الطاقة الكهربائية بواسطة الطاقة الشمسية، صحيح الطاقة نجحت في كثير من الدول على مستوى المنازل وعلى مستوى أصغر بكثير، إنما تشغيل منشآت ضخمة لإنتاج الطاقة عن طريق الطاقة الشمسية أمر ما زال فيه مجال تطوير التكنولوجيا الخاصة بذلك.

محمد كريشان: على كل بغض النظر عن أية خلافات أو حسابات سياسية أو غيرها فيما بتعلق بإقدام الدول العربية على هذه التجارب النووية الجديدة نريد أن نعرف مدى استعدادها، مدى تأهلها، مدى امتلاكها لكوادر يمكن أن تسير بشكل جيد هذه المشاريع. هذا ما سنتوقف عنده بعد هذا الفاصل نرجو أن تبقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

القدرة العربية على إدارة المشاريع النووية

محمد كريشان: أهلا بكم من جديد. وحلقتنا هذه تبحث في التوجهات العربية نحو الطاقة النووية كمصدر بديل لتوليد الكهرباء. دكتور سفيان عارف التل في عمان، التجارب السابقة أثبتت بأن ربما الدول العربية لم تكن مهيئة تماما لأن يكون لها كوادر مؤهلة لإدارة مشاريع نووية سابقة، هل تعتقد بأن الآن الوضع مختلف؟

سفيان عارف التل: الوضع غير مختلف وما زالت غير مؤهلة، أعطيك مثل من الأردن، الكوادر الأردنية في كل الحكومات المتعاقبة أثبتت فشلها وعدم إمكانيتها من فصل مياه الشرب عن مياه المجاري، أثبتت فشلها في تأمين حليب نقي وسليم لأطفالنا في المدارس فأوقفت توزيعه، أثبتت فشلها في قطاع الغذاء، محلات الشاورما سممت الشعب الأردني، أثبتت فشلها في قطاع الدواء، السوق الأردني مليء بالأدوية المغشوشة والمقلدة. بهذه الإدارات كيف يمكن أن ندير مفاعلا نوويا؟! العلماء الذين كانوا في عالمنا العربي والعراقيون صفي منهم 300 أو 400 عالم أو ألف عالم فقط لأنهم علماء، من أين سيأتي الأردن بعلماء لإدارة مفاعله النووي؟ هل سيأتي بعلماء إسرائيليين؟ أعتقد هذا هو المطروح على الساحة. أنا قلت قبل أن يأتي ساركوزي إلى المنطقة أن هذه المفاعلات ستكون منشآت سياسية عسكرية متطورة لأميركا وإسرائيل في العالم العربي، وبعد أن كتبت ذلك ونشرته صحيفة القدس العربي جاء ساركوزي إلى المنطقة وعقد اتفاقيات للحصول على قواعد فرنسية في المنطقة لإدارة المفاعلات النووية. العالم العربي سيعاني من حالات سرطان لا نهاية لها لأن التسرب في هذه المفاعلات لن تستطيع الأجهزة العربية إدارته، عداك عن أنه لسنا بحاجة إلى الطاقة، دول الخليج العربي لديها طاقة، أرخص طاقة في العالم، كثير من الدول والمواطنين في الخليج لا يدفعون ثمن الطاقة، يأخذونها مجانا، النفط متوفر عندهم، فلماذا نتحول من طاقة رخيصة التكاليف وآمنة نسبيا، إلى طاقة غالية التكالف جدا وغير آمنة؟..

محمد كريشان (مقاطعا): هذا ربما بالنسبة لدول الخليج العربي، لنرى الحالة المصرية دكتور شاكر، في السابق لم تكن التجربة السوفياتية مشجعة مع مصر، يقال إنه حتى بعض الذين ذهبوا من الجيل الأول، كما يسمون، الجيل الأول من الخبراء النوويين والعلماء، لم يتلقوا التدريب اللازم ولا حتى العلوم اللازمة في الاتحاد السوفياتي، هل تعتقد بأن ربما الغرب سيكون أكثر تفهما إذا ما استأنفت مصر بشكل جدي التجربة النووية السلمية؟

محمد إبراهيم شاكر: أعتقد ذلك، نحن لدينا تجربة جيدة مع الاتحاد السوفياتي وروسيا، ولدينا أيضا تجربة جيدة جدا مع الأرجنتين، فلدينا في مصر مفاعلين، أبحاث، والمفاعلات تحت تفتيش، تحت رقابة دولية فعالة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعمل بالمفاعلين كادر عظيم جدا من العلماء المصريين في مجال الطاقة النووية، والكوادر موجودة في مصر. صحيح أننا توقفنا عن برنامج توليد القوة النووية لتوليد الكهرباء لمدة عشرين سنة إنما من السهولة لمصر أن تجمع قواها مرة أخرى بالكوادر الموجودة في مصر والتي تدربت مع الأرجنتين وتدربت مع روسيا في إدارة البرنامج النووي المصري. لدي ثقة تامة أن مصر ستستطيع أن تنجح في ذلك، وأنا طبعا أرفض التشكيك في هذه الثقة لأنه نحن، أتذكر لما أممنا قناة السويس شكك الغرب في أننا سندير قناة السويس بطريقة سليمة ونجحت التجربة نجاحا باهرا في إدارة مثل قناة السويس، وأعتقد أن مصر تستطيع أن تدير برنامجا نوويا على أكمل وجه بالكوادر الموجودة لديها، والكوادر التي تتدرب من الآن على تشغيل هذا البرنامج.

محمد كريشان: نعم سؤال أخير في نهاية البرنامج لكل من الدكتور شاكر والدكتور التل، دكتور شاكر، يعني شكوك كثيرة حول البرنامج النووي الإيراني، ما الذي يجعل الدول الغربية تطمئن لمشاريع عربية مقبلة؟

محمد إبراهيم شاكر: كما ترى سيادتك البرنامج النووي المصري برنامج شفاف، اتفاقيات تعاون شفافة بين مصر وهذه الدول، إنما البرنامج النووي لجأ إلى طريق سري للحصول على بعض المعدات الخاصة بتخصيب أو إثراء اليورانيوم، وهو ما أثار شكوك الغرب في أن إخفاء هذا النشاط وراءه الرغبة في الاستثمار في الجوانب العسكرية، في حين أن الدول العربية المقدمة الآن على الاستثمار في الطاقة النووية تفعل ذلك بكل شفافية وفي إطار اتفاقات وقعتها مصر من قبل وستوقعها أيضا بعض الدول العربية في المستقبل، فهذا البرنامج سيكون في شفافية تامة..

محمد كريشان (مقاطعا): إذاً شفافية عربية مقابل ربما غموض إيراني، نفس السؤال للدكتور التل في أقل من دقيقة لو تكرمت.

سفيان عارف التل: يا سيدي الدول العربية ستبقى باستمرار مستوردة للوقود النووي من العالم الغربي وبالتالي ستكون مصادر الطاقة في عالمنا العربي كلها إذا كانت نووية بيد العالم الغربي فقط، إيران بدأت تخصب اليورانيوم وهي تنتج الوقود النووي بنفسها وهذا ما لا تريده أوروبا لإيران أن تكون مستقلة عنها. النقطة اللي كنت أحب أقولها وفاتتني، أن ألمانيا التي قررت تفكيك 19 مفاعلا نوويا، ووزير البيئة الألماني سيغمان غابرييل طالب بتفكيك سبعة مفاعلات على جناح السرعة في الوقت الذي يطالب العالم العربي ببناء سبع مفاعلات نووية، هل سيقوم العربي بشراء هذه المفاعلات الخردة من أوروبا؟

التوجهات النووية العربية وموقف الغرب منها
مقدم الحلقة: محمد كريشان
ضيفا الحلقة:

  • محمد إبراهيم شاكر/ مسؤول سابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • سفيان التل/ مقرر سابق في برنامج الأمم المتحدة للبيئة
    تاريخ الحلقة: 27/3/2008
    محمد كريشان: السلام عليكم. نتوقف في هذه الحلقة عند إعلان عدد من الدول العربية كمصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين خطة لتطوير برامج نووية سلمية في إطار ما يسمى إستراتيجيات أمن الطاقة الرامية إلى تلبية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء والماء. وفي حلقتنا محوران، ما الذي يبرر اندفاع العرب وحماسة الغرب لخيار الطاقة النووية السلمية برغم المخاوف التي يثيرها؟ وهل البلدان العربية مؤهلة لإدارة برامج نووية كهذه بما يحقق أهدافها بصورة مجدية وآمنة في نفس الوقت؟. الخيار النووي حلم عربي قديم رأى النور برهة ثم تلاشى بعد ما اغتالته إكراهات السياسة وتعقيدات الواقع، وهو اليوم في نظر الساعين إليه حاجة تمليها ضرورات أمن الطاقة بعدما أدرك العالم كله أن النفط طاقة نابضة. صحيح أن الفكرة النووية راودت العقل العربي منذ عقود ولكنها اكتسبت في الآونة الأخيرة زخما مصحوبا بحماسة غربية غير معهودة لامتلاك العرب تقنية تثير اليوم واحد من أخطر الصراعات، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دافع صراحة عن حق العرب في التقنية النووية وذلك في مقابلة سابقة مع الجزيرة مع ليلى الشايب.

[شريط مسجل]

نيكولا ساركوزي/ الرئيس الفرنسي: بعد نحو أربعين تماما سينضب البترول، وبعد نحو قرن سينضب الغاز والطاقة النووية ستكون البديل، فالطاقة النووية هي طاقة المستقبل، فتحت أي مسمى يمكن حرمان الدول العربية من طاقة المستقبل؟ إذاً نحن نقول إن الطاقة لأغراض سلمية ومدنية ليس هناك ما يدعو إلى منعها عن العرب، كما أن مثل هذا المنع سيضفي الشرعية على ادعاءات قادة إيران الحاليين بأن الطاقة النووية السلمية هي حكر على الدول الغربية.

[نهاية الشريط المسجل]

مبررات التوجهات العربية النووية والموقف الغربي منها

محمد كريشان: معنا في هذه الحلقة الدكتور محمد إبراهيم شاكر الممثل السابق لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمم المتحدة ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، ومن عمان الدكتور سفيان عارف التل المقرر العام الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أهلا بضيفينا. الحقيقة ما استمعنا إليه لساركوزي هو مجرد نموذج لما يبدو تفهما أو حتى حماسة غربية في الوقت الحالي للتطلع النووي العربي، نريد أن نسأل الدكتور محمد إبراهيم شاكر في القاهرة، كيف ينظر إلى هكذا موقف غربي يفترض أنه كان يكون أكثر حذرا في هذه المسألة؟

محمد إبراهيم شاكر: تجربة مصر منذ الثمانينات أن الغرب مستعد لمساعدة من يرغب من الدول العربية في هذه المنطقة للاستثمار في توليد الطاقة الكهربائية بواسطة المفاعلات النووية، فمصر اهتمامها بهذا الموضوع موضوع قديم، في الثمانينات. وعقدت مصر عدت اتفاقات مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا لتوريد اليورانيوم لتصنيعه فيما بعد كوقود لمفاعلات المستقبل، فهناك كانت رغبة حقيقية في مساعدة مصر في تحقيق هذا الحلم بالاستثمار في الطاقة النووية.

محمد كريشان: يعني إذاً هذا الموقف الغربي تراه دكتور غير جديد يعني؟

محمد إبراهيم شاكر: لا، غير جديد ونحن لم نجد، عندما انضمت مصر لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في عام 1981، لم نجد أي صعوبة في التفاوض حول هذه الاتفاقيات وكان هدف مصر من وراء ذلك هو تنويع مصادر الطاقة النووية حتى لا نعتمد على مصدر واحد أو على دولة واحدة أو على نوع واحد من المفاعلات، فكانت السياسة والإستراتيجية المصرية هي تنويع مصادر الطاقة من عدة مصادر غربية.

محمد كريشان: نعم، دكتور سفيان عارف التل في عمان، المتداول عموما في الأدبيات السياسية العربية بأن الغرب لا يريدنا أن نتقدم، الغرب يريد أن يعيق أي تطلع لنا نحو القدرات النووية أو غيرها، عندما يبدي الغرب حماسة، سواء في الماضي مثلما أشار الدكتور أو الآن، كيف ترى ذلك؟


العالم الغربي يقوم بلعبة خطيرة على العالم العربي من خلال إغرائهم بالمفاعلات النووية الحالية

سفيان عارف التل

سفيان عارف التل: الحقيقة أنا أرى ذلك أكبر دليل على ما تفضلت فيه أن العالم الغربي مصر على.. الحقيقة العالم الغربي يقوم بلعبة من أخطر اللعبات الممكنة على العالم العربي من خلال إغرائهم بالمفاعلات النووية الحالية. دعني أقول أولا المقولة القديمة التي تقول: من يسيطر على الطاقة يسيطر على العالم. وهذا ما حدث عندما تم اكتشاف النفط، فمنذ حوالي قرن والعالم الغربي يشن الحروب ويسيطر على الدول التي بها منابع النفط ومن أجل ذلك خلقوا إسرائيل في المنطقة ككلب حراسة وشنوا حربا على العراق وعلى أفغانستان وهم يحضرون لحرب على إيران، كما أن المؤامرات على فنزويلا قائمة، وحاصروا ليبيا، كل ذلك حتى يستمروا في السيطرة على النفط بعد أن تبين أن للنفط عمر محدود وسينضب بدؤوا هم يبحثون من أكثر من خمسين عاما عن بديل للنفط، لأنهم يخططون لإستراتيجية بعيدة المدى وتقرر بذلك التاريخ أن يبدؤوا بالمفاعلات النووية. الآن بعد التجربة المرة التي خاضتها أوروبا وأميركا في المفاعلات النووية، تبين ما يلي: أن هذه المفاعلان غير آمنة بتاتا وأدت إلى قيام استفسارات لدى الشعوب الأوروبية حيث قرر الشعب السويدي أنه لا يريد مفاعلات نووية وكذلك في ألمانيا والدنمارك وبذلك اتخذت القرارات القطعية في هذه الدول بتفكيك جميع المفاعلات بحيث يتم تفكيك كل مفاعل بعد أن ينتهي عمره الافتراضي..

محمد كريشان (مقاطعا): يعني هذا في الغرب لو سمحت لي فقط دكتور، هذا في الغرب يعني نعرف أن هناك دائما تحفظات على هذه المسائل خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالبيئة. على كل عندما نتناول هذا الموضوع النووي لا بد من إلقاء الضوء على التجربة النووية العربية خلال العقود الماضية كانت هناك مصر، كانت هناك العراق، كانت هناك ليبيا، لنتابع هذا التقرير حتى نضع النقاش في إطاره الضروري.

[تقرير مسجل]

إيمان رمضان: برنامج نووي مصري، تبدو محاولة لبعث الروح في مشروع مصري قديم اغتالته ظروف سياسية وإرادات خارجية مثلما اغتالت خيرة علماء مصر وباحثيها في المجال النووي. مبارك في موسكو يبحث عن دعم لوجستي لم تجد به واشنطن لبناء برنامج نووي سلمي، ذلك المشروع الناصري القديم، هل يعيد التاريخ نفسه؟ فقبل 52 عاما اتجه عبد الناصر إلى السوفيات ليوقع في المكان ذاته اتفاق تعاون في مجال الطاقة النووية بعد ما يئس من دعم أميركي خلفه رفض واشنطن ومن ورائها البنك الدولي لتمويل بناء السد العالي، وولد المشروع الذي سرعان ما قتلته هزيمة 67 في مهده. غير أن المحاولات المصرية لإحيائه لم تنقطع، حتى سطر التعنت الأميركي أواخر السبعينات نقطة النهاية للحلم القديم، فقد أصر الأميركيون على إضافة شروط جديدة على معاهدة التعاون النووي مع مصر مما يتيح لهم تفتيش المنشآت النووية المصرية كشرط لتنفيذ المشروع، أمر أعتبرته الدول المصرية ماسا بسيادتها، ثم كانت النهاية عام 1996 عندما وقعت القاهرة على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية. الحلم لم يكن يوما قاصرا على مصر إذ امتدت أصداؤه عبر فكرة القوميات العربية في الخمسينات إلى كافة بلدان المنطقة، غير أن مصير المشروع النووي في كل منها كان واحدا، القتل. فقد قصفت إسرائيل المفاعل العراقي عام 1981، بينما أشارت تقارير غير مؤكدة إلى أن هذا هو المصير ذاته الذي آل إليه المفاعل النووي السوري الوحيد إذ قصفته إسرائيل وهو قيد الإنشاء، وهو ما نفته دمشق. الحال لم تكن أفضل في ليبيا فقد فككت طرابلس برنامجها النووي قبل بضعة أعوام في إطار صفقة أخرجت ليبيا من قائمة الدول الراعية لما يسمى الإرهاب. واليوم يتجدد الحديث عن أهمية برنامج نووي مصري وآخر إقليمي في الخليج وفي الخلفية تقف الترسانة النووية الإسرائيلية ماردا لم تفلح التوقيعات العربية على كافة معاهدات منع انتشار الأسلحة النووية في حبسه داخل قمقمه.

حسني مبارك / الرئيس المصري: أعلن أمامكم قرار مصر بدء برنامج لبناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء، سنمضي في ذلك اقتناعا بأن أمن الطاقة عنصر رئيسي في بناء مستقبل هذا الوطن وجزء لا يتجزأ من منظومة أمن مصر القومي.

إيمان رمضان: وفي منطقة الخليج يتردد الحديث عن مشروع نووي أيضا، بينما يقف الهاجس النووي الإيراني على الضفة الشرقية للخليج العربي ماردا آخرا، الفرصة مواتية إذاً لتسويق منتج أوروبي خرج بسبب الماردين من دائرة الكماليات فوقعت الإمارات وفرنسا خلال زيارة ساركوزي اتفاقا للتعاون النووي تبلور بتوجه إماراتي لتأسيس هيئة للطاقة النووية تمهيدا لتطوير برنامج سلمي بمساعدة دول صديقة ومؤسسات عالمية.

[نهاية التقرير المسجل]

محمد كريشان: ضيفانا كانا مختلفين في تقدير الموقف الغربي فيما يتعلق بمدى التعاون مع التجارب النووية العربية الجديدة إن صح التعبير، نريد أن نسأل دكتور محمد إبراهيم شاكر، عندما نرى الآن حديث مصر عن مشاريع جديدة، إشارات من السعودية، من البحرين، مشروع فرنسي إماراتي، هل من رابط بين كل هذه التوجهات النووية العربية الجديدة؟

محمد إبراهيم شاكر: هذه التوجهات النووية السلمية عبارة عن جزء من موجة كبيرة جدا اليوم العالم بيشهد نهضة نووية في كثير من أنحاء العالم في آسيا في الولايات المتحدة نفسها التي توقفت عن الاستثمار في الطاقة النووية لسنوات عديدة بعد حادثة Three Mile Island في بداية الثمانينات، فهناك ما يسمى بالنهضة النووية في كثير من أنحاء العالم، وأعتقد أن الاهتمام العربي بذلك هو جزء من هذه النهضة النووية التي تشهد اهتماما جارفا في أنحاء العالم فهي جزء من الاهتمام العالمي بهذه القضية.

محمد كريشان: ولكن هذه النهضة بالنسبة لدولة مثل مصر قد تبدو نوعا استئنافا لطموح سابق. نريد أن نسأل الدكتور سفيان عارف التل، ماذا عن الدول الأخرى، عندما تشير البحرين إلى رغبتها أو عندما توقع الإمارات اتفاقا مع فرنسا، ما الذي يدفع دول مثل هذه أن تدخل هذه التجربة؟

سفيان عارف التل: يا سيدي جوابا على سؤالك الذي طرحته على الدكتور محمد أن الرابط بين هذه الدول التي دخلت على المفاعلات النووية هي أنها جميعا تدور في الفلك الأميركي، الدول التي لم تكن تدور في الفلك الأميركي قوومت وضربت مفاعلاتها ومنعت من أي نشاط نووي واضح، ليبيا والعراق وإيران وغيرها..

محمد كريشان (مقاطعا): ولكن عفوا، يعني فقط للتوضيح، ولكن دول أخرى مثلا ليبيا من تلقاء نفسها يفترض، الجزائر ظروفها الداخلية هي التي حتمت عليها أن تتراجع ربما، يعني ليس بالضرورة الغرب هو الذي يجبرها على ذلك.

سفيان عارف التل: لا، تحت الضغوط الأميركية، لو تركت وحدها لأصبحت دولا نووية واضح. النقطة الأخرى أنه ليس صحيحا أن هناك نشاط نووي كبير في أميركا، بل العكس أميركا وأوروبا اكتشفوا بعد الحوادث غير الآمنة للمفاعلات النووية أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هي الطاقة البديلة وبدؤوا بسن القوانين وإقامة المزارع الضخمة جدا والعملاقة لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ويؤكد هذا التوجه أن أوروبا وأميركا التي تخطط للمدى البعيد تدرك أنه بعد عشرين عاما بعد أن تكون معظم مفاعلاتها النووية قد تم تفكيكها، تكون بحاجة إلى مصادر طاقة جديدة هي تكون مصادرها من الطاقة الشمسية، وتريد أن تحرم العالم العربي بصحاريه الطويلة العريضة التي يمكن أن تكون أكبر منتج للطاقة الشمسية وطاقة الرياح من أن يعود ويكون مالك الطاقة مرة أخرى..

محمد كريشان (مقاطعا): هذه نقطة مهمة جدا دكتور، لنسأل الدكتور محمد إبراهيم شاكر حول هذه المسألة ثم نأخذ فاصل، تفضل دكتور.


الطاقة الشمسية لها مستقبل كبير جدا في المنطقة العربية لكن الطاقة الشمسية ما زالت ضعيفة في توليدها للمحطات الكبيرة

محمد إبراهيم شاكر

محمد إبراهيم شاكر: الطاقة الشمسية طبعا كذلك لها مستقبل كبير جدا في المنطقة، هي الفكرة أنه لا بد لنا كدول عربية أن ننوع مصادر الطاقة لدينا، الطاقة الشمسة ما زالت هناك صعوبة في توليدها بمحطات كبيرة، يعني بمحطات ضخمة زي المحطات الخاصة بالمفاعلات النووية تصل إلى ألف ميغاواط، لم تنجح حتى الآن التكنولوجيا في تصميم منشآت تولد الطاقة الكهربائية بواسطة الطاقة الشمسية، صحيح الطاقة نجحت في كثير من الدول على مستوى المنازل وعلى مستوى أصغر بكثير، إنما تشغيل منشآت ضخمة لإنتاج الطاقة عن طريق الطاقة الشمسية أمر ما زال فيه مجال تطوير التكنولوجيا الخاصة بذلك.

محمد كريشان: على كل بغض النظر عن أية خلافات أو حسابات سياسية أو غيرها فيما بتعلق بإقدام الدول العربية على هذه التجارب النووية الجديدة نريد أن نعرف مدى استعدادها، مدى تأهلها، مدى امتلاكها لكوادر يمكن أن تسير بشكل جيد هذه المشاريع. هذا ما سنتوقف عنده بعد هذا الفاصل نرجو أن تبقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

القدرة العربية على إدارة المشاريع النووية

محمد كريشان: أهلا بكم من جديد. وحلقتنا هذه تبحث في التوجهات العربية نحو الطاقة النووية كمصدر بديل لتوليد الكهرباء. دكتور سفيان عارف التل في عمان، التجارب السابقة أثبتت بأن ربما الدول العربية لم تكن مهيئة تماما لأن يكون لها كوادر مؤهلة لإدارة مشاريع نووية سابقة، هل تعتقد بأن الآن الوضع مختلف؟

سفيان عارف التل: الوضع غير مختلف وما زالت غير مؤهلة، أعطيك مثل من الأردن، الكوادر الأردنية في كل الحكومات المتعاقبة أثبتت فشلها وعدم إمكانيتها من فصل مياه الشرب عن مياه المجاري، أثبتت فشلها في تأمين حليب نقي وسليم لأطفالنا في المدارس فأوقفت توزيعه، أثبتت فشلها في قطاع الغذاء، محلات الشاورما سممت الشعب الأردني، أثبتت فشلها في قطاع الدواء، السوق الأردني مليء بالأدوية المغشوشة والمقلدة. بهذه الإدارات كيف يمكن أن ندير مفاعلا نوويا؟! العلماء الذين كانوا في عالمنا العربي والعراقيون صفي منهم 300 أو 400 عالم أو ألف عالم فقط لأنهم علماء، من أين سيأتي الأردن بعلماء لإدارة مفاعله النووي؟ هل سيأتي بعلماء إسرائيليين؟ أعتقد هذا هو المطروح على الساحة. أنا قلت قبل أن يأتي ساركوزي إلى المنطقة أن هذه المفاعلات ستكون منشآت سياسية عسكرية متطورة لأميركا وإسرائيل في العالم العربي، وبعد أن كتبت ذلك ونشرته صحيفة القدس العربي جاء ساركوزي إلى المنطقة وعقد اتفاقيات للحصول على قواعد فرنسية في المنطقة لإدارة المفاعلات النووية. العالم العربي سيعاني من حالات سرطان لا نهاية لها لأن التسرب في هذه المفاعلات لن تستطيع الأجهزة العربية إدارته، عداك عن أنه لسنا بحاجة إلى الطاقة، دول الخليج العربي لديها طاقة، أرخص طاقة في العالم، كثير من الدول والمواطنين في الخليج لا يدفعون ثمن الطاقة، يأخذونها مجانا، النفط متوفر عندهم، فلماذا نتحول من طاقة رخيصة التكاليف وآمنة نسبيا، إلى طاقة غالية التكالف جدا وغير آمنة؟..

محمد كريشان (مقاطعا): هذا ربما بالنسبة لدول الخليج العربي، لنرى الحالة المصرية دكتور شاكر، في السابق لم تكن التجربة السوفياتية مشجعة مع مصر، يقال إنه حتى بعض الذين ذهبوا من الجيل الأول، كما يسمون، الجيل الأول من الخبراء النوويين والعلماء، لم يتلقوا التدريب اللازم ولا حتى العلوم اللازمة في الاتحاد السوفياتي، هل تعتقد بأن ربما الغرب سيكون أكثر تفهما إذا ما استأنفت مصر بشكل جدي التجربة النووية السلمية؟

محمد إبراهيم شاكر: أعتقد ذلك، نحن لدينا تجربة جيدة مع الاتحاد السوفياتي وروسيا، ولدينا أيضا تجربة جيدة جدا مع الأرجنتين، فلدينا في مصر مفاعلين، أبحاث، والمفاعلات تحت تفتيش، تحت رقابة دولية فعالة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعمل بالمفاعلين كادر عظيم جدا من العلماء المصريين في مجال الطاقة النووية، والكوادر موجودة في مصر. صحيح أننا توقفنا عن برنامج توليد القوة النووية لتوليد الكهرباء لمدة عشرين سنة إنما من السهولة لمصر أن تجمع قواها مرة أخرى بالكوادر الموجودة في مصر والتي تدربت مع الأرجنتين وتدربت مع روسيا في إدارة البرنامج النووي المصري. لدي ثقة تامة أن مصر ستستطيع أن تنجح في ذلك، وأنا طبعا أرفض التشكيك في هذه الثقة لأنه نحن، أتذكر لما أممنا قناة السويس شكك الغرب في أننا سندير قناة السويس بطريقة سليمة ونجحت التجربة نجاحا باهرا في إدارة مثل قناة السويس، وأعتقد أن مصر تستطيع أن تدير برنامجا نوويا على أكمل وجه بالكوادر الموجودة لديها، والكوادر التي تتدرب من الآن على تشغيل هذا البرنامج.

محمد كريشان: نعم سؤال أخير في نهاية البرنامج لكل من الدكتور شاكر والدكتور التل، دكتور شاكر، يعني شكوك كثيرة حول البرنامج النووي الإيراني، ما الذي يجعل الدول الغربية تطمئن لمشاريع عربية مقبلة؟

محمد إبراهيم شاكر: كما ترى سيادتك البرنامج النووي المصري برنامج شفاف، اتفاقيات تعاون شفافة بين مصر وهذه الدول، إنما البرنامج النووي لجأ إلى طريق سري للحصول على بعض المعدات الخاصة بتخصيب أو إثراء اليورانيوم، وهو ما أثار شكوك الغرب في أن إخفاء هذا النشاط وراءه الرغبة في الاستثمار في الجوانب العسكرية، في حين أن الدول العربية المقدمة الآن على الاستثمار في الطاقة النووية تفعل ذلك بكل شفافية وفي إطار اتفاقات وقعتها مصر من قبل وستوقعها أيضا بعض الدول العربية في المستقبل، فهذا البرنامج سيكون في شفافية تامة..

محمد كريشان (مقاطعا): إذاً شفافية عربية مقابل ربما غموض إيراني، نفس السؤال للدكتور التل في أقل من دقيقة لو تكرمت.

سفيان عارف التل: يا سيدي الدول العربية ستبقى باستمرار مستوردة للوقود النووي من العالم الغربي وبالتالي ستكون مصادر الطاقة في عالمنا العربي كلها إذا كانت نووية بيد العالم الغربي فقط، إيران بدأت تخصب اليورانيوم وهي تنتج الوقود النووي بنفسها وهذا ما لا تريده أوروبا لإيران أن تكون مستقلة عنها. النقطة اللي كنت أحب أقولها وفاتتني، أن ألمانيا التي قررت تفكيك 19 مفاعلا نوويا، ووزير البيئة الألماني سيغمان غابرييل طالب بتفكيك سبعة مفاعلات على جناح السرعة في الوقت الذي يطالب العالم العربي ببناء سبع مفاعلات نووية، هل سيقوم العربي بشراء هذه المفاعلات الخردة من أوروبا؟

محمد كريشان (مقاطعا): شكرا لك، ونحن على جناح السرعة سننهي أيضا البرنامج. شكرا جزيلا لك دكتور سفيان عارف التل المقرر العام الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، شكرا أيضا لضيفنا الدكتور محمد إبراهيم شاكر الممثل السابق لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمم المتحدة ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية. وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج ما وراء الخبر بإشراف نزار ضو النعيم، غدا بإذن الله قراءة جديدة في ما وراء خبر جديد، أستودعكم الله.

محمد كريشان (مقاطعا): شكرا لك، ونحن على جناح السرعة سننهي أيضا البرنامج. شكرا جزيلا لك دكتور سفيان عارف التل المقرر العام الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، شكرا أيضا لضيفنا الدكتور محمد إبراهيم شاكر الممثل السابق لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمم المتحدة ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية. وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج ما وراء الخبر بإشراف نزار ضو النعيم، غدا بإذن الله قراءة جديدة في ما وراء خبر جديد، أستودعكم الله.

اللقاء على موقع قناة الجزيرة : اضغط هنا.