1/7/2008
سفيان التل: الآثار الخطيرة للمفاعلات النووية لا تظهر بين يوم وليلة (الجزيرة نت)
حاوره: محمد النجار
حذر المقرر السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة سفيان التل في مقابلة مع الجزيرة نت من أن تقوم دول أوروبية بنقل “خردتها” النووية للدول العربية، وفيما يلي نص المقابلة:
في السنوات الأخيرة دخلت إلى الدول العربية ثقافة المفاعلات النووية، هل هناك حاجة عربية فعلية لإنشاء هذه المفاعلات لأغراض الطاقة أم أنها مجرد موضة كما يقول البعض؟
سفيان التل: الحقيقة أنها ليست حاجة وليست موضة، وإنما أمر مفروض أميركيا على العالم العربي ويقع الآن في إستراتيجية الدول الغربية لأكثر من سبب، فهم يريدون استنزاف فائض النقد العربي، حيث يوجد الآن مبالغ باهظة جدا تجمعت في خزائن الدول العربية نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
وتفرض أميركا أن لا تستعمل هذه المبالغ إلا كمستوردات من الدول الغربية، أي أنه غير مسموح لأي دولة نفطية أن تعمل أي خطة تنمية حقيقية تشمل قواعد بناء دولة قوية، مسموح فقط أن يبنوا عمارات ويفتحوا شوارع ليشتروا سيارات.
هناك إحصاءات وأرقام صادرة عن البنك الدولي ووزارة الخارجية الألمانية ووكالة الطاقة الدولية وغيرها من المصادر تتوقع أن يكون هناك ثلاثة تريليونات دولار فائضا ماليا في دول الخليج، وهذا رقم كبير جدا، لذلك يريدون البدء بامتصاص هذه المبالغ.
مجرد توقيع اتفاقيات بمبلغ ستين مليار دولار من قبل الرئيس الفرنسي ساركوزي أمر يثير الشبهات، ونحن قلنا هل تحتاج دول الخليج العربي إلى مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة للأغراض السلمية.
والعقل والمنطق والأرقام تؤكد أن لا حاجة لدول الخليج العربي لمثل هذه المفاعلات، لوجود احتياطي كبير من الطاقة الأصيلة، ودول الخليج تستخدم محطات لتحلية المياه وتوليد الكهرباء تعتمد على النفط لتشغيلها، والطاقة في دول الخليج العربي إما أنها زهيدة التكاليف لدرجة مضحكة أو أنها مجانية لا يدفع المواطن ثمنا لها، فلماذا نأتي بمفاعل نووي لإنتاج الطاقة.
ما قلته عن الفائض المالي وتوفر النفط قد ينطبق على دول الخليج، ولكن ماذا عن الأردن الذي يعاني من شح في الموارد، كما يعاني بشدة جراء ارتفاع أسعار الطاقة، بينما توجد لديه كميات كبيرة من خام اليورانيوم فلم لا يستغلها؟
سفيان التل: الأردن لن يسمح له بتخصيب اليورانيوم، سيكون بإمكانه تنظيفه وعمل الكعكة الصفراء ولكن عند التخصيب سيصدره لفرنسا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل أو غيرها من الدول، التي ستقوم بتصنيعه، ولن يسمح لأي دولة عربية أن تخصب اليورانيوم، وشاهدي على ما أقول الحملة التي تشن على إيران الآن لأنها تخصب اليورانيوم.
الفارق الكبير بيننا وبين إيران، أن المواد الأولية اللازمة لتشغيل المفاعلات النووية متوفرة لديهم كونهم يخصبون اليورانيوم، ولا حاجة لديهم لاستيراد اليورانيوم المخصب، أما المفاعلات التي يتم الحديث عن إنشائها في الدول العربية ستستورد اليورانيوم المخصب، أي أن الدول الموردة للوقود النووي يمكن أن توقف توريده للدول العربية في أي وقت شاءت، وبالتالي تتوقف هذه المفاعلات النووية عن العمل في أي وقت.
لاحظ ما يحدث في قطاع غزة حاليا، تستطيع إسرائيل إيقاف سيل الطاقة عن الفلسطينيين هناك فتدخلهم في ظلام دامس، ونحن نعرف كيف تستعمل الولايات المتحدة سلاح القمح لتجويع الشعوب، وهناك تجويع لمصر وغيرها من الدول من خلال استخدام سلاح القمح.
إذا كانوا يستعملون القمح وسيلة للتهديد، فهل نثق بهم بأن نجعل موادنا الأولية للطاقة بأيديهم؟ وهل نسمح لأنفسنا بأن ننتقل من دول منتجة للطاقة، وبالذات دول الخليج العربي، لنصبح دولا مستوردة للطاقة، أي الوقود النووي الذي سنستورده لتشغيل المفاعلات النووية من الفرنسيين وغيرهم.
ماذا عن البعد السياسي في الموضوع، وحديث بعض المراقبين عن أن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لنشر المفاعلات النووية في الدول العربية في مواجهة المشروع النووي الإيراني، وهل إسرائيل لن تسمح بذلك؟
الولايات المتحدة لا تألوا جهدا لتحويل الأسلحة العربية والعداء العربي من اتجاهه لإسرائيل نحو إيران، ونحن لسنا بحاجة لذلك ولا يوجد سبب واحد يدعونا لمعاداة إيران، إلا أن نستنزف كل طاقاتنا البشرية والمادية والعسكرية لإبعادها عن مواجهة إسرائيل، وتحويلنا من قبل الولايات المتحدة لخط دفاع أول عن إسرائيل في مواجهة إيران.
ماذا عن الموضوع النووي؟
سفيان التل: بدون شك، كيف تقبل الدول العربية بأن تكون إسرائيل دولة نووية ومتكتمة على كل ما لديها من أسلحة نووية ثم تقف مع إسرائيل وأميركا لتحاسب إيران على ما سيكون، فإيران حتى الآن لا تملك البرنامج العسكري، وبرنامجها الوحيد هو برنامج سلمي لإنتاج الطاقة، لا أدري كيف يقبل البعض أن يقف مع الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران؟
من موقعك كخبير بيئي دولي في الأمم المتحدة، هناك من يتحدث عن أن المفاعلات النووية صديقة للبيئة، وهناك من يحذر من كوارث تحملها هذه المفاعلات، أين الحقيقة برأيك؟
سفيان التل: هذا رأي خاطئ ومحاولة لقلب الحقائق، فمن الناحية البيئية أثبتت المفاعلات النووية في الدول الكبرى والعظمى التي لديها إمكانيات تقنية هائلة ومتطورة عدم أمانها.
في الولايات المتحدة هناك تقارير للأمم المتحدة عن المشاكل النووية التي تحدث في معظم المفاعلات، وأشهرها ثري مايل آيلاند، وحادثة تشرنوبل في روسيا ماثلة للعيان أمامنا، وهناك مفاعلات حدث فيها تسرب مؤخرا، خاصة في الصين واليابان نتيجة الزلازل، ولا يوجد مفاعل واحد لم يحدث فيه تسربات خطيرة.
وفي ألمانيا والسويد تم إجراء استفتاءات حول الاستمرار في بناء مفاعلات نووية أو التوقف عن ذلك، ونتيجة الاستفتاء كانت رفض المفاعلات النووية، والسويد اتخذت قرارا بتفكيك كل مفاعل بعد انتهاء عمره الافتراضي.
هذه العملية تكررت أيضا في ألمانيا، التي لديها 19 مفاعلا، والعمر الافتراضي لأي مفاعل 31 عاما، والقرارات متخذة لتفكيك هذه المفاعلات واحدا تلو الآخر، بعد انتهاء عمرها الافتراضي ووقعت اتفاقيات بهذا الشأن مع شركات كبرى.
في الدول الأوروبية أكثر دولة متطورة في المجال النووي هي فرنسا، تخيل أن ألمانيا لا تستطيع أن تعالج الخلل في أي مفاعل إلا بنسبة 20% وبالتالي تقوم بتفكيك المفاعل وإرساله لفرنسا لمعالجته، وعندما نتحدث عن تفكيك مفاعل فإننا نتحدث عن أكثر من مائة ألف طن من الحديد والإسمنت، وأنك بحاجة لما بين سبع إلى عشر سنوات لتفكيك المفاعل الواحد.
البعد الخطير جدا والذي يجب أن يحذر منه الناس أن ألمانيا تفكك مفاعلات، ووزير البيئة الألماني طالب بتفكيك سبع مفاعلات نووية على جناح السرعة لأنها لم تعد آمنة، وتفكيكها يحتاج لما بين ست إلى ثماني سنوات، والاتفاقيات التي وقعت مع فرنسا لبناء المفاعلات النووية في العالم العربي تحتاج لنفس الفترة الزمنية.
أستطيع أن أستنتج بشكل واضح أن الصفقة خاسرة منذ الآن، لأن المفاعلات التي ستفكك في أوروبا ستنقل مادة خردة للدول العربية ليعاد بناؤها هنا، ولا مانع لدى ساركوزي الذي رقصت إسرائيل في الشوارع يوم تم انتخابه أن يبني لنا مفاعلات نووية تسرب وتسبب الأمراض للشعوب العربية.
هذا الاستنتاج الذي تتحدث عنه، ما مخاطره على البيئة والإنسان فيما لو حدث التسرب من المفاعلات على أرض الواقع؟
سفيان التل: الآثار الخطيرة للمفاعلات النووية لا تظهر بين يوم وليلة وإنما تظهر على مدى طويل، الألمان عندما اكتشفوا مخاطر المفاعلات النووية كانوا يحاولون منع القطارات التي تحمل المواد النووية من المرور من مدنهم، وكانوا ينامون على سكك الحديد واستطاعوا أن يثوروا على حكوماتهم هناك ووقف البرامج النووية، فلماذا نأتي نحن بكل هذا القرف وهذه الجرائم لمجتمعاتنا ونعيد بناءه بعد أن تخلى عنه الآخرون.
قد يقول قائل إن حديثك هذا وتحذيراتك قد تكون مقبولة للدول التي لديها بدائل للطاقة مثل دول الخليج، ولكن ماذا عن الأردن والدول الفقيرة في مصادر الطاقة، قد يصبح حديثك نوعا من الترف الفكري؟
تكاليف المفاعل النووي ليست رخيصة، وإذا كانت هناك ضغوط تمارس على دول عربية لكي لا تزودنا بالنفط بسعر مدعوم فالقضية متغيرة بيننا وبين هذه الدول، هناك مساعدات ترسلها الدول النفطية ولا نراها نحن كشعب، لا نستطيع أن نبني على فرضيات فاسدة.
ولكن ما هو الحل والبديل أمام أزمة الطاقة الخانقة؟
سفيان التل: الحل موجود، الدول العربية أحسن منطقة في العالم على الإطلاق مؤهلة للطاقة الشمسية، فالصحاري الممتدة من شمال أفريقيا إلى الجزيرة العربية 1% منها فقط كاف لتزويد الكرة الأرضية كلها بالطاقة الكهربائية.
وهناك دراسات وضعتها دول أوروبية في هذا المجال خلاصتها مد مجموعة من الخلايا الشمسية في الصحراء الكبرى، أي الشمال الأفريقي، وإنتاج الطاقة الكهربائية ونقلها عبر أسلاك في البحر الأبيض المتوسط لتصل لأوروبا.
ولكن لسوء الحظ هناك من يخرج من الدول النفطية ليقول إنه لن يتم استثمار الطاقة الشمسية لأن البديل النفطي متوفر، وهنا أسأل ماذا عن الاستفادة من الطاقة الشمسية وهذا أخطر بكثير.
كل الطروحات التي نسمعها من دول الخليج غير مقنعة على الإطلاق، إذا كانت هذه الدول لا تريد الاستثمار بالطاقة الشمسية فلماذا تستثمر إذن بالطاقة النووية؟
لو عدنا للأردن، لماذا فتح ملف اليورانيوم الآن برأيك رغم أن الفوسفات الأردني يحتوي على كميات كبيرة من خام اليورانيوم وهذا مكتشف ومعروف منذ عقود؟
سفيان التل: هذا يدخل تحت شعار أكرره باستمرار أن الأردن فيه تجار يحكمون وحكام يتاجرون، وهذا واضح بعد صفقات البيع التي تمت للأراضي وأصول الدولة والفوسفات والبوتاس والماء والكهرباء، ولم يبق شيء لم يعرض للبيع تحت شعار الخصخصة.
لاحظ اللعبة التي تمت على الفوسفات، فالذين كانوا يديرون الشركة سواء بصورة مباشرة أو خفية هم الذين خفضوا سعر السهم حتى وصل إلى ثلاثة دولارات تقريبا، فاشتروا كل الأسهم، وبعدها قاموا ببيعه لجهة أخرى، واليوم سعر السهم يصل عند حدود ستين دولارا، وهذه صفقة تجارية نتنة تفوح منها رائحة الفساد، ولا ننسى أن الفوسفات يحتوي على كمية من اليورانيوم، والدول التي كان لديها برامج نووية مثل الهند كانت أكبر مشتر للفوسفات الأردني، فكانوا يستفيدون منه سمادا للأرض ولإنتاج اليورانيوم.
الآن اليورانيوم مادة موجود في الأردن، ولكن بالطريقة التي تتم فيها عمليات الفساد الكبرى لن يستفيد هذا الشعب من هذه الكميات شيئا.
تخيل أن الفوسفات الأردني هو تراب لا يحتاج إلا إلى جرافات وآليات لاستخراجه وتجفيفه فكيف يمكن أن يخسر، كيف يمكن أن أبيع ترابا وأخسر؟
ولكن بيع خام اليورانيوم وسط ارتفاع سعره العالمي سيدر دخلا جيدا على الأردن يجعله يتلافى أزماته الاقتصادية؟
سفيان التل: كان هناك دخل كبير للأردن من الفوسفات والبوتاس والإسمنت فأين هو؟ دخلنا منهوب ومسلوب، ودخل اليورانيوم سلب قبل أن ينتج، والتخفي وراء ما يسمى بالشريك الإستراتيجي الذي هو مرة معلوم ومرة مجهول كيف يمكن أن يجعلنا نستفيد؟
بماذا تفسر توقيع أكثر من دولة اتفاقيات مع الأردن، حيث وقعت مذكرات تفاهم نووي بين الأردن وفرنسا وبريطانيا وكندا وهناك دول أخرى تريد التوقيع على مذكرات مماثلة؟
سفيان التل: هذه اتفاقيات غير معلنة التفاصيل، وهي ربما لأخذ خام اليورانيوم وتخصيبه، وبما أنه لا يوجد برلمان يدافع عن مصالح الشعب، والحكومات مسلوبة الصلاحيات والصفقات تتم على قدم وساق فكيف يمكن أن نحاسب أيا كان ونعرف ما يدور بما أن الشفافية غائبة.
لم نسمع اعتراضا إسرائيليا على إقامة المفاعلات العربية خاصة المفاعل الأردني لماذا برأيك؟
سفيان التل: هذا هو السؤال الذي طرحته أنا، إسرائيل احتجت على البرنامج النووي الإيراني، ودمرت العراقي وعلى الليبي والسوري كما تدعي وضربته، بينما ترحب بالمفاعل الأردني، أبسط ما يمكن استنتاجه أن هذا مشروع مشترك تدخل إسرائيل في إدارته.
ماذا عن المخلفات النووية، هناك مخاطر كبيرة لها أين يمكن أن تذهب هل هناك طريقة علمية للتخلص منها؟
سفيان التل: أول تجربة كتبت عنها الأمم المتحدة تتعلق بالمخلفات النووية كانت في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت الشركات تدفن المخلفات في مناطق مختلفة ويتم تسويتها بالأرض، وفي كثير من المواقع بنيت قرى على أنقاض هذه المخلفات، وبعد فترة من الزمن بدأت تتكشف أضرارها، فبدأ سكان تلك القرى يصابون بالعقم وبأنواع السرطانات والأمراض الخطيرة، لدرجة أن الولايات المتحدة وضعت برنامجا لتنظيف هذه المكبات، لذلك توقفت أميركا عن دفن هذه المخلفات في أراضيها وبدأت تقوم بشحنها ودفنها في دول العالم كلها.
الآن تدفن الولايات المتحدة في مناطق من كندا والمكسيك وبعض دول أميركا اللاتينية وعدد كبير من الدول الأفريقية، وأعطيك مثالا، إن إحدى البحيرات في نيجيريا كانت تدفن فيها هذه المواد المشعة لدرجة أن الإشعاعات صارت تصدر وتقتل الناس المحيطين بالبحيرة، فقامت هناك خرافة تفيد أن هذه البحيرة مسحورة وكل من يسكن حولها يقتل أو يموت.
انتقلت الولايات المتحدة اليوم للدفن في الفلبين وفي غير ذلك من المناطق عبر اتفاق مع رؤساء دول ومسؤولين كبار ويقوم هؤلاء بتسهيل دخول هذه المواد لدولهم.
وتم اكتشاف مواد من هذه تلقى على شكل براميل في بحر العرب والبحر الأحمر، وإسرائيل اليوم تدفن في أعماق البحر الأحمر مثلا وتهرب نفايات نووية في الأردن ولها عملاء يحاولون دفنها في الصحاري وكشفت أكثر من محاولة وأعيدت شحنات من هذه المواد بعد اكتشافها.
هناك تقارير تتحدث عن أن إسرائيل حفرت أربعة أنفاق في الجولان لدفن نفاياتها النووية.
إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل قادرة بنفوذها على التخلص من هذه النفايات فماذا ستفعل الأردن وبقية الدول العربية بنفاياتها النووية؟
سفيان التل: هذا السؤال الذي يبحث عن إجابة، وهناك علامة استفهام كبيرة على مشاريع المفاعلات النووية العربية التي قد تكون أسست لإنتاج المواد المفيدة وتوريدها للدول الأوروبية وترك المخلفات في الدول العربية.
المصدر : الجزيرة