تناقلت الأخبار هذا اليوم الإعلان الأمريكي أن قواتها قد استهدفت في شمال شرق الأردن وأن هنالك ثلاثة قتلى وعدد من المصابين يزيد عن ال 30 مصابا. واستمرت الأخبار تتضارب بين ما يصدر عن المسؤولين الأمريكيين وما يصدر عن الجانب الأردني. ففي حين أن الجانب الأمريكي قد أكد أن الهجوم قد وقع على البرج أو القاعدة 22 القريبة من الحدود الأردنية السورية بينما استمر الجانب الأردني بداية في التأكيد على أن الهجوم لم يقع على الأراضي الأردنية ولنقدم بعض المؤشرات على ذلك:
أولا: صدرت تصريحات عن البيت الأبيض تقول إن مستشار الأمن القومي ووزيرا الخارجية والدفاع ومدير السي آي إي ورئيس الأركان ونائب مستشار الأمن القومي وكبير مفوضي البيت الأبيض شاركوا بإحاطة الرئيس بايدن بالهجوم. وقال بايدن إن الهجوم وقع في الأردن.
ونحن لا يتطرق إلينا الشك أن البيت الأبيض يعرف بالضبط مواقع قواعده العسكرية في الأردن ويراقبها من الأقمار الاصطناعية وأن جميع الذين ذكرناهم من رموز السياسة الأمريكية والقرارات العسكرية والأمنية والاستخباراتية يستطيعون متابعة قواعدهم العسكرية ومشاهدة ما يدور فيها بالفيديو على شاشات البيت الأبيض وهم يحتسون القهوة ويتبادلون التعليقات. ويضيف الجانب الأمريكي فيقول إن القاعدة التي تقع في الشمال الشرقي من الأردن تضم قوات الهندسة والطيران والخدمات اللوجستية والأمنية مؤكدا أن ما يسمى بقاعدة البرج 22 تقع في شمال شرقي الأردن. وورد أيضا أن الطائرة سقطت بالقرب من أماكن سكنية في القاعدة. وقد أصبح بذلك مؤكدا لكل ذي بصيرة أنه لا يمكن لكل هذه المكونات الهندسية والخدمية والعسكرية و اللوجستية والأمنية والسكانية أن تكون في برج مراقبة رقمه 22 بل في قاعدة أمريكية مبنية على طريقتهم وفيها أماكن سكنية أيضا.
وبعد ذلك هل يجوز لنا أن نجري أي مقارنة بين دقة المعلومات التي تصدر عن البيت الأبيض وخاصة في الأمور العسكرية التي تتعلق بالقواعد العسكرية ومواقعها في الأردن أو على سطح الكرة الأرضية والمعلومات التي تصدر عن الجانب الأردني.
فماذا أصدر الجانب الأردني في هذا المجال.
قال متحدث باسم الحكومة الأردنية اليوم الأحد (وأنا أنقل عن الغد وكالة الأنباء الأردنية) أن الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين لم يقع على أرض المملكة لكن في سوريا. وقال وزير الاتصال الحكومي المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية مهند المبيضين الى قناة المملكة التلفزيونية الأردنية أن الهجوم الذي استهدف القوات الأمريكية قرب الحدود السورية لم يقع داخل الأردن. ونحن نحتاج هنا إلى تصديق أحد الطرفين الطرف الأمريكي أو الطرف الأردني.
وليسمح لي الوزير الأردني والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية أن أذكره بأن سلفه الوزير الأردني محمد المومني والذي كان أيضا ناطقا باسم الحكومة الأردنية، قد أعلن مرة وبصفته الرسمية عن انه لا يوجد في الأردن قواعد عسكرية أمريكية، متجاهلا الاشتباكات العسكرية التي وقعت في إحدى القواعد وذهب لها ضحايا وشكل لها لجان تحقيق ومتجاهلا الاتفاقية الأولى التي وقعت مع الولايات المتحدة لإعطائها قواعد عسكرية ونشرت في الجريدة الرسمية دون مرور تلك الاتفاقية على البرلمان حسب ما ينص على ذلك الدستور وقد رددنا عليه في حينه.
ماذا يعني الخبر الرسمي الأردني أن الهجوم لم يقع في الأراضي الأردنية، هل يمكننا الاستنتاج أن الحكومة الأردنية لا تعلم عن وجود القاعدة الأمريكية (البرج 22) القريبة من الحدود السورية أم أنها تعلم ولا تريد أن تعترف بذلك.
مع بداية الأخبار صرح الأردن أن هذا الهجوم لم يقع على الأراضي الأردنية وإنما كان على قاعدة التنف في الأراضي السورية وتبعد هذه القاعدة 20 كيلومترا تقريبا عن الحدود الأردنية السورية. فالهجوم الذي يمكن أن يقع على قاعدة أمريكية في الأراضي السورية لا يمكن أن يكون الأردن مخولا بالتصريح عنه فهذا شأن أمريكي أو سوري وهذه السقطة الأولى الذي سقطها المسؤولون في الأردن.
والناتئ الآن إلى اتفاقية التعاون الدفاعي، بل بين الأردن وأمريكا كما وقعت يوم الأحد في 21-3-2021 والتي نصت على مواقع القواعد الأمريكية المصرح بها في الأردن. وحتى نكون دقيقين فقد تم تحديد هذه المواقع في الملحق (أ) من الاتفاقية المشار إليها وهذا هو النص كما ورد
الملحق (أ)
المرافق والمناطق المتفق عليها لنشر القوات الأمريكية وهي:
قاعدة الشهيد موفق السلطي
مجمع مركز التدريب المشترك
قاعدة تدريب القوات المسلحة الأردنية في الحميمة
قاعدة الملك عبد الله الجوية
القاعدة البحرية الملكية في العقبة
قاعدة تدريب القوات المسلحة الأردنية في القويرة
مركز الملك عبد الله لتدريب القوات الخاصة
قاعدة الأمير حسن الجوية
المواقع العسكرية الحدودية حسبما يتم الاتفاق عليها مسبقا
قاعدة الأمير فيصل الجوية (الجفر)
مخيم التتن
قاعدة الملك عبد الله الثاني الجوية
ومن الاطلاع على هذه المواقع الواردة نصا في الاتفاقية فلا يمكن أن تكون القاعدة المستهدفة (البرج22) إلا ضمن هذا البند(المواقع العسكرية الحدودية حسب ما يتم الاتفاق عليها مسبقا )ومن حقنا الآن أن نتوجه بسؤال واضح وصريح إلى الحكومة الأردنية فيما إذا كان قد تم الاتفاق مسبقا مع الجانب الأمريكي على إقامة هذه القاعدة على الأراضي الأردنية في المواقع الحدودية كما يشير الملحق إلى ذلك. والسؤال الثاني فيما إذا كانت الحكومة الأردنية مطلعة على ذلك أم تم هذا بدون علمها. والسؤال الثالث فيما إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق وأن الولايات المتحدة قد أقامت تلك القاعدة بدون علم الأردن.
ومن المهم هنا الإشارة أيضا إلى التناقض في تصريحات الناطق باسم الحكومة الأردنية ففي تصريح آخر يعترف أن الهجوم قد وقع على الأراضي الأردنية فيقول: أن الوجود الأمريكي بالقرب من الحدود الأردنية يأتي في سياق التعاون بين البلدين وأن الأردن يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف موقعا متقدما على الحدود مع سوريا وأسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين.
ولن يفوتنا الحديث عما سماه النظام فيه الأردن بالهجوم الإرهابي. فالمقاومة الإسلامية في العراق (وما زال في ذهنها الذين دمروا العراق وقتلوا أكثر من مليون إنسان فيه) هي التي تبنت الهجوم وأكدت أنها نفذت حتى الآن 178 هجوما على القواعد الأمريكية خلال ال 100 يوم السابقة وأن جميع المصالح الأمريكية في المنطقة أهداف مشروعة وان هجماتها لن تتوقف إلى أن تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم إسرائيل وتزويدها بالسلاح. وفي هذا السياق صرح السناتور الجمهوري ليندسي جراهام أن هنالك أكثر من 100 هجوم وقع على القواعد الأمريكية في المنطقة. فهل يجوز أن يسمي الأردن كل هذه التضحيات ارهابا.