كتب: عمر عياصرة – عمان
إذا ما عدنا إلى التهم الموجهة للكاتب الصحفي موفق محادين وللناشط السياسي الدكتور سفيان التل، نجد أن ما وجه لهما من تهم، كانت في اغلبها فضفاضة وعامة يصلح معها أن تُوَجَهَ لأي كاتب قرر أن يمتهن العمل الكتابي والصحفي، ويستوي في ذلك أن يكون هذا الكاتب معارضا أو مواليا لسياسات الحكومة، فمن المسلم به أن تجد في أي مقالة تنشر شيئا من رحيق هذه التهم القانونية المستخدمة حكوميا لغايات تصفية الحساب السياسي، فالتهم الموجهة إلى المحادين والتل والمتصفة بالمرونة والعموم، تجعل من الصبغة السياسية لازمةٌ حتمية لدوافع هذا الاعتقال، فالحديث عن إثارة النعرات الطائفية والجهوية والنيل من هيبة الدولة وتعكير صفو العلاقات مع دولة صديقة وغيرها من التهم المذكورة في قانون العقوبات وفي لائحة اتهام المحادين والتل، باتت تشكل بابا تأويليا واسعا، مكّن الحكومة في الآونة الأخيرة من إظهار ضيق صدرها وعصاها الغليظة تجاه النقد الموجه لروايتها المقدسة حول أحداث وسياسات عامة، يجب (بزعم الرسميين) أن لا تمس هذه الرواية، بل ويجب أن تفرض على الناس وهم صامتون مستسلمون وخائفون من قانون الحكومة الفضفاض.
ما يلوح في الأفق، وما يفهم من الطريقة التي تم بها تحويل المحادين والتل إلى القضاء، أن الدولة غاضبة ومرتبكة ولا تملك القدرة على السماع والاستماع وأنها تضيق ذرعا بالجميع، وعلى ما يبدو أنها بصدد التراجع الكلي عن وعود الإصلاح السياسي المزعوم أو تسطيحه على اقل تقدير، وهي مقبلة على استبدال الإصلاح بتكميم قانوني وحقوقي للأفواه، وقد وصلت حدود هذا التراجع المخجل عن الإصلاح مرحلة سمحت الحكومة به لنفسها خلق خطوط حمراء ومسلمات مبتدعة، تجعل من المستحيل على الجماهير إلا الانسياق وراء الرواية الرسمية فقط ولا غير، وهذا الذي بدأنا نشهد إرهاصاته يعتبر تعد سافر وانتهاك لحق التعبير عن الرأي، كما انه يقدم عنوانا مخجلا لحكومة زعمت نفسها إصلاحية.
ضيق الحكومة ورسميي الدولة مفهوم وواضح السبب، فهذا الضيق يبدأ من المأزق الاقتصادي ومعضلته المزمنة الذي لم تعد مستورة وراء أكاذيب النمو والأرقام، بل أصبحت هما يوميا تعاني منه فئات المجتمع التي لا تحكم ولا ترسم السياسات، أضف لذلك الفشل الاقتصادي، ضغوطات الإسرائيلي والأميركي على الأردن بشأن الملف الإقليمي والفلسطيني، كما وتوجد مواطن إخفاق محلية كثيرة، أخرها موضوع التوجيهي وفساد الزراعة، هذه العوامل قد تبرر انفعال الدولة، لكنها لا تبرر تحميل المعارضة والناس لمسؤولية النتائج التي صنعتها الحكومات، فما آلت إليه أوضاعنا كان بسبب الاستبداد بالرأي وتنحية الناس عن المشاركة السياسية، وللأسف تعاد الكرة مرة أخرى وتصم الحكومة أذانها عن الاستماع، وترفض إلا الأخذ بروايتها المأزومة، وتقنع أجهزتها ومريديها أنها على صواب مطلق، وان ظروفها لا تحتمل أن يتحدث المحادين أو التل أو من شابههم من رواد أبداء الرأي، ويستخدم القانون من قبلها بانتقائية زمانية هادفة لصنع المزيد من المحذورات والخطوط الحمراء التي تخنقنا وتسعف الفاسدين.