(حكمت المحاكم مرتين لصالح اثنين من المثقفين)
مايو/أيار 4, 2013
(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على سلطات العدالة الجنائية في الأردن إنهاء ملاحقتها التي دامت 3 سنوات لاثنين من المثقفين وسحب جميع التهم الموجهة إليهما. لا تتعلق التهم، التي تشمل “تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية” و”إثارة النعرات العنصرية”، إلا بممارسة الرجلين السلمية لحقهما في حرية التعبير.
وجهت النيابة الاتهام إلى موفق محادين، 59 سنة، وسفيان التل، 74 سنة، في فبراير/شباط 2010. وواصلت السلطات الملاحقة القضائية للرجلين رغم حكمين منفصلين من محكمتين أدنى درجة يبرئان المتهمين من أية مخالفة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات أن تمتثل إلى حكم المحكمة الابتدائية وتلغي القانون الذي تم توجيه أخطر الاتهامات بموجبه.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: ” يبدو ادعاء الأردن بإجراء إصلاحات ديمقراطية غير جاد مع مطاردة النيابة للشخصيات العامة لمجرد انتقادها السياسة الخارجية للحكومة. لا غنى عن التسامح مع المعارضة السياسية في أية دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان”.
تكشف وثائق المحكمة أن الأدلة الوحيدة التي قدمتها النيابة بحق محادين والتل طيلة المحاكمة تأتي من مقابلات في قنوات تلفزيونية فضائية مع الرجلين في مطلع عام 2010، عبرا فيها عن آرائهما الشخصية في السياسة الخارجية الأردنية، بما فيها مشاركة الأردن في النزاع في أفغانستان.
بدأت القضية ضد محادين، وهو صحفي وكاتب معروف، والتل، وهو ناشط بيئي مثّل الأردن لمدة 9 سنوات في المجلس التنفيذي للبرنامج البيئي للأمم المتحدة، في فبراير/شباط 2010. وقد تم تحريكها بعد مقابلات تلفزيونية أجراها الرجلان في أعقاب هجوم ديسمبر/كانون الأول 2009 على قاعدة للمخابرات الأمريكية في مقاطعة خوست بأفغانستان، قتل فيه مسؤول أردني وسبعة من عملاء وكالة المخابرات المركزية. كان الاثنان ضمن مجموعة مكونة من 87 مثقفاً أردنياً وقعوا على بيان عام في فبراير/شباط تحت عنوان “ليست حربنا”.
في المقابلات التي بثتها قناة الجزيرة والقناة الفضائية الأردنية نورمينا، عبر الرجلان عن رأيهما الشخصي في العلاقات الأمريكية-الأردنية ومشاركة الأردن إلى جانب الولايات المتحدة في النزاع في أفغانستان. تستشهد وثائق المحكمة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش بعدد من التعليقات على أنها أدلة دامغة، ويتعلق معظمها بعلاقات الأردن مع الولايات المتحدة.
استشهد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان لعام 2010 بالملاحقات القضائية للتل ومحادين كانتهاك لحريتي التعبير والصحافة.
منذ مطلع عام 2011 تعهد قادة الأردن مراراً بتحويل البلاد إلى ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وأثنى قادة العالم على الأردن لجهوده الإصلاحية، إلا أن استعداد السلطات لتجشم كل هذا العناء في الملاحقة القانونية للمنتقدين على آرائهم السياسية السلمية يبين طول الطريق الذي لم يزل على الأردن اجتيازه، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال التل لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة بادرت بتوجيه الاتهام إليه هو ومحادين بعد قيام 3 ضباط عسكريين متقاعدين بتحرير شكاوى ضدهما في الأيام التي تلت بث المقابلات. في 4 فبراير/شباط 2010، قام مكتب النائب العام بإحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة، التي أمرت بتوقيف الرجلين في 10 فبراير/شباط. تم احتجاز الاثنين في سجن الجويدة حتى 15 فبراير/شباط ثم أفرج عنهما بكفالة.
في 6 أبريل/نيسان 2010، قال التل لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات أعادت القضية للمحاكم المدنية بسبب دخول تغييرات على قانون الصحافة والمطبوعات تنزع اختصاص محكمة أمن الدولة بهذه الجرائم. في 9 مايو/أيار قام رئيس نيابة عمان بتوجيه الاتهامات بموجب قانون العقوبات وقانون الصحافة، وتشمل “تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية” وعدة تهم أقل شأناً: “إثارة النعرات العنصرية” و”إذاعة أنباء من شأنها النيل من هيبة الدولة” و”تشجيع الغير بالخطابة على قلب الحكومة القائمة” و”ذم هيئة رسمية (الجيش)”.
في 22 مايو/أيار، برأت محكمة عمان الابتدائية المتهمين من كافة التهم وارتأت أن ثلاثة من الاتهامات الموجهة تتعارض مع الضمانات الدستورية لحرية التعبير لاستنادها إلى تعبير المتهمين عن آراء شخصية في مقابلات متلفزة. كما حكمت المحكمة بأن المادة 118,2 من قانون العقوبات، التي تجرم “تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية” هي مادة غير دستورية. وقررت أن المادة تضم أحكاماً بها انتهاك مباشر لتلك الضمانات، وأن تصريحات التل المتعلقة بالجيش الأردني لا توافق معايير التشهير المجرّم حسب اتهام النيابة ـ “ذم هيئة رسمية”. ووجدت المحكمة أن النيابة لم تقدم تفاصيلاً تؤيد تهمة “إثارة النعرات العنصرية”.
استأنف النائب العام الحكم، وفي 16 يناير/كانون الثاني 2010 أسقطت محكمة الاستئناف حكم المحكمة الابتدائية، مبررة هذا بـ”الفساد في الاستدلال وعدم التعليل” وأعادت القضية إلى تلك المحكمة لـ”إصلاح” حكمها. في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2012، رفضت محكمة النقض، وهي أعلى محاكم الأردن، النظر في طلب المتهمين باستئناف القضية.
في 18 فبراير/شباط 2013 أعادت محكمة عمان الابتدائية تبرئة ساحة المتهمين من كافة التهم، مع تقديم شرح أوفى للحجة القانونية التي استندت إليها في إسقاطها لكل تهمة من التهم. فعلى سبيل المثال، قالت المحكمة فيما يتعلق بتهمة “تعكير صفر العلاقات مع دولة أجنبية” إن حجة النيابة لم تثبت حدوث أي تدهور في العلاقات أو أعمال عدائية نتيجة لتصريحات المتهمين.
ورغم هذا فقد تقدمت النيابة باستئناف جديد في 5 مارس/آذار، متعللة بأن حكم المحكمة الابتدائية “جاء مشوباً بقصور التعليل والتسبيب”.
قال التل لـ هيومن رايتس ووتش إن محكمة الاستئناف تراجع حكم المحكمة الابتدائية الثاني، لكنه لا يعرف متى ستصدر حكمها.
تكفل المادة 15 من الدستور الأردني حرية التعبير، كما استشهدت به كل من المحكمتين الابتدائيتين. كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والأردن دولة طرف فيه، يحمي حق كل إنسان في حرية التعبير، بما فيه “حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها” (المادة 19).
قالت سارة ليا ويتسن: “على الرغم من تبرئتين منفصلتين إلا أن النيابة عرّضت هذين الرجلين لما لا نهاية له من جلسات المحاكمة وطلبات الاستئناف، عقاباً لهما على التعبير عن آرائهما، وربما ردعاً لأي منتقدين آخرين كي لا يتكلموا. إذا كان الأردن جاداً بشأن الإصلاح فهو بحاجة لإنهاء ملاحقة الأشخاص قضائياً على تعبيرهم السلمي عما يعتقدونه”.
رابط المقال على الموقع الرسمي لهيومن رايتس ووتش : هنا .