د.م. سفيان التل. 2012
عند التصدي للحديث عن أيّ مشكلة كانت، كبرت أم صغرت، أفضّل التصدي بداية لأسبابها لا إلى ظواهرها ومخرجاتها، فإذا ما تم تشخيص المرض أو المشكلة سهل الحل. أمّا عند التغاضي عن أسباب المشكلة فيحدث ما يعرف بالقفز نحو الاستنتاجات، أو كما يقول الإنجليز ( jumping to the conclusion)، وعندها نكون قد عمدنا إلى معالجة ظواهر المشكلة، لا إزالة أسبابها، وفي هذه الحالة، كلما عالجنا ظاهرة تفجرت أمامنا ظاهرة جديدة أخرى.
مفهوم الإرهاب ومفهوم الفساد في الأرض
لنبدأ بشرح مفهومنا للإرهاب. فقد استعمل هذا المصطلح في عدة آيات في القرآن الكريم:
(واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) الأنفال 60
وإرهاب العدو هنا يتم من خلال التسلح وحشد الجيوش لمواجهة الأعداء، وهذا أمر متفق عليه ومطلوب شرعا. والإرهاب هنا هو إعداد نفسي يتفوق على الإعداد العسكري والعددي لإلقاء الرعب في صفوف الأعداء، وربما لتجنب القتال. وفي الحديث الشريف (نصرت بالرعب مسيرة شهر) وهو ما سمّي حديثا بسياسة الردع.
كذلك فقد وردت كلمة الإرهاب في الآية الموجهة إلى بني إسرائيل:
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) البقرة 40، وهي دعوة واضحة هنا لعدم الخوف أو الرهبة إلّا من الله وحده.
وفي آية أخرى (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء 90، والمعنى هنا واضح أنّهم يدعون ربهم طمعا وخوفا.
مفهوم الفساد في الأرض
وأمّا مفهوم الفساد في الأرض فقد ورد في الآية الكريمة:
(إنما جزاء اللذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم) المائدة 33
وهذا النصّ ورد في قُطّاع الطرق والمحاربين اللذين يسطون ويسرقون ويغتصبون بقوة السلاح. وهو المفهوم الأقرب إلى مصطلح الإرهاب الأمريكي.
بهذه المقدمة حول مفهوم ومعنى الإرهاب في الإسلام، ومعنى ترويع الآمنين والفساد في الأرض، أودّ أن أصل بداية إلى رفضنا استعمال كلمة الإرهاب بالطريقة التي تريدها الولايات المتحدة وحلفاؤها من الغرب، ومن تبنّى من العرب وغيرهم من دول العالم هذا المصطلح طائعا أو مكرها.
ولا يفوتنا أن نذكر، أنّ الولايات المتحدة رفضت كل الدعوات الحقيقية، للاتفاق على تعريف لمعنى الإرهاب، والتفريق بين مقاومة المحتل أو المغتصب المشروعة في القوانين الدولية، وبين ترويع الآمنين والفساد في الأرض.
أكدت الولايات المتحدة أنّها لا تريد أن تسمع صوتا إلّا صوتها، ولا رأيا إلّا رأيها في تعريف الإرهاب. ولخصت هذا الرأي كما جاء على لسان الرئيس بوش الابن بخمس كلمات حين قال: (من ليس معنا فهو ضدنا).
ومن هذا المنطلق أعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين خططها للسيطرة على العالم، ونهب ثرواته؛ كالنفط والغاز والمعادن، وإقامة قواعدها العسكرية لحماية هذا النهب، وتأمين خطوط اتصالاتها، ولنقل هذه الثروات، كما تضمّنت هذه الخطط فرض صنائعها وعملائها كحكام في كثير من دول العالم التي حباها الله بهذه الثروات، بهدف تزوير إرادة الشعوب، وسنّ تشريعات صورية، تساهم في تنفيذ خططها. ولهذا الغرض احتاجت لمبررات للسيطرة الناعمة أو الخشنة على هذه الدول، وتسهيل مهمة صنائعها من الحكام، فأوجدت فكرة الإرهاب لإلصاقها بكل من يقاومها، وسمّتها بالحرب على الإرهاب، وهي في حقيقتها ليست إلّا حربا على كل أنواع المقاومة المشروعة والمكفولة في القوانين الدولية.
تغيير الحقائق وقلب المفاهيم
في نفس السياق لجأت الولايات المتحدة لقلب الحقائق وتغيير المفاهيم، والترويج لذلك إعلاميا، فعمدت على سبيل المثال لا للحصر إلى ما يلي:
1- دعم الأنظمة الدكتاتورية، ومغتصبي السلطة، والملكيات الفاسدة، وكل من لا يمارس الحكم الرشيد، ما دامت هذه الأنظمة تلتزم بتنفيذ المخططات والتعليمات الأمريكية، وتشارك في نهب الثروات، ووصفت كل أنواع المقاومة الشعبية لتلك الأنظمة إرهابا.
2- وصف كل مقاومة شعبية للسيطرة الأمريكية والغربية على أي بقعة من الأرض إرهابا.
3- نزعت الشرعية عن كل أشكال المقاومة المسلحة أو غير المسلحة بوصفها بالإرهاب لضمان عدم شمولها بالقوانين الدولية التي تحمي المقاومة المشروعة.
4- حصنت جنودها الذين يمارسون الإرهاب، حسب تعريفاتها المعتمدة للإرهاب، من أي محاكمة خارج أراضيها.
5- أطلقت على كل أسير حرب يقع في أيديها إرهابي، لحرمانه من الحماية التي تنصّ عليها معاهدة جنيف لمعاملة أسرى الحرب، بالرغم من مزاولتها للإرهاب حسب تعريفها.
6- أقامت سجون ومعتقلات في بلدان يخضع حكامها لسيطرتها، ولا تمنع قوانينها التعذيب، وذلك لتتخلص من الملاحقة القضائية في بلادها، التي تمنع قوانينها التعذيب، ومن تلك السجون والمعتقلات على سبيل المثال:
· قاعدة باجرام في أفغانستان.
· معتقل جوانتنامو في كوبا.
· معتقل دياجو جراسا في جزيرة في المحيط الهادي.
· سجن أبو غريب في العراق.
· سجون سرية في كل من مصر والأردن والمغرب وسوريا وأوزباكستان.
7- قتل الفلسطينيين وحرقهم بالأسلحة المحرمة، وتدمير بيوتهم، وتشريدهم، بالرعاية الأمريكية، ليس إرهابا في نظرها، بينما يعتبر الطفل الفلسطيني الذي يتمسك بأرضه وبيته ومدرسته، ويقاوم بالحجارة، إرهابيا، ويتم اعتقاله خلافا لكل القوانين الدولية.
8- بناء جدار فاصل في برلين يعتبر إرهابا وحجزا لحريات الناس، ويستدعي أن يزور الرئيس الأمريكي برلين ويعلن أنّه برليني، بينما يعتبر جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في فلسطين، حماية لها من الإرهاب الفلسطيني.
9- تسمح العقيدة العسكرية الأمريكية بقتل المدنيين، لتحقيق أهداف عسكرية، أو إذا كانوا ضمن الأهداف العسكرية، وفي هذا السياق، قتلت الولايات المتحدة الأمريكية الملاين من المدنيين في أفغانستان، والعراق، والبلقان، وهيروشيما، وناغازاكي، ومعظم المدن الألمانية، وغيرها من دول العالم، وتمّ هذا القتل إمّا مباشرة بأسلحتها النووية وطائراتها وجنودها، أو من خلال عملائها وشركاتها الأمنية التي تجند المرتزقة من كافة بقاع الأرض، والغريب أنّ كل هذا لا يسمّى إرهابا بينما يوصف الإسلام الذي لم يجز قتل المدنيين لا في الحرب ولا في السلم دينا إرهابيا.
10- أجازت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، المقاومة الإسلامية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، ودعمتها واعترفت بها كمقاومة (وليس إرهابا)، وعندما انتهت الحرب، وانسحب السوفييت، وتحولت الولايات المتحدة لمحتل جديد، سحبت اعترافها بالمقاومة ووصمتها بالإرهاب.
11- ركزت الولايات المتحدة والغرب سنوات طويلة على إسقاط الطائرة المدنية فوق لوكربي، كأحد الأعمال الإرهابية، بينما أهملت خمس طائرات مدنية أخرى اُسقطت، ومنها طائرة إيرانية فوق البحر الأحمر.
12- تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها على احتكار السلاح النووي، ومنع غيرها من الدول من امتلاكه، وتعمل على السيطرة على هذه الأسلحة أو تدميرها، كما حدث في باكستان والعراق وليبيا وسوريا ، وكما يحاولون مع إيران لمنعها من تطوير برنامجها النووي السلمي، ويطلقون على الدول في هذا المجال دولا إرهابية أو مارقة، بالرغم من أن هذا السلاح لم يستعمله أحد سواها.
وبالنتيجة يمكن استخلاص ما يلي:
· عندما تستهدف دولة قوية دولة ضعيفة باحتلالها أو تدمير بنيتها الأساسية ، وقتل المدنيين فيها، تتشكّل في العادة تنظيمات مقاومة، تعمل على طريقة حرب العصابات، وهذه عمليات مشروعه ومعترف بها دوليا، ولا يمكن تسميتها إرهابا بمفهوم الإرهاب الذي رسخته الولايات المتحدة في أذهان الناس.
· نظرا لعدم تمكن تنظيمات المقاومة هذه من المواجهة العسكرية لدول الاحتلال، فمن البديهي أن تلجأ إلى الضرب حيث لا يتوقعها العدو ولا يستطيع مقاومتها. وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها على مدى التاريخ.
· تحتاج هذه التنظيمات إلى التمويل والسلاح، وتلجأ في العادة إلى الدول والهيئات التي تتفق معها في الأهداف.
· نتيجة للطبيعة السرية لمثل هذه العمليات، تنجح الدول المعتدية بالوصول بطريقة غير مباشرة إلى تمويل هذه المقاومة واختراقها، بهدف وضعها تحت السيطرة، أو حرف بوصلتها أو تسخيرها لأعمال عسكرية تخدم أهدافها، مستفيدة من الخلافات في العقائد والايدولوجيا.
· نتيجة لطبيعة الحضارة الأمريكية والغربية والتي تعتمد على السيطرة على ثروات الشعوب ونهبها، وتفكيك وحدتها وبنيانها الأساسي، وفرض التخلف عليها، ومنعها من التسلح الحقيقي، تشكّلت في هذه الدول تنظيمات للمقاومة المسلحة، تستهدف المحتل وصنائعه من الحكام.
· أجازت هذه التنظيمات المسلحة لنفسها المعاملة بالمثل، أي ضرب المدنين في دولة الاحتلال، ردّا على تعرضها وتعرض مدنيها للقتل والدمار.
· نجحت الولايات المتحدة وبصورة غير مباشرة من خلق تنظيمات مشابهة، وتمويلها وتسليحها لخدمة أهدافها، كما نجحت في حرف بوصلة تنظيمات أخرى، وإبعادها عن أهدافها الأصلية، دون أن تدرك القواعد المقاتلة في هذه التنظيمات ذلك.
· تستخدم الولايات المتحدة والغرب، بالإضافة إلى مرتزقتها في شركاتها الأمنية، بعض التنظيمات المسلحة والمسماة بالإرهابية ، لعمليات ما يسمّى بالتدمير الذاتي للدول التي ترفض الانصياع لهيمنتها. وهكذا تتحول بعض هذه التنظيمات إلى سلاح ذي حدين، يقتل ويقتل به.
دكتور مهندس ســفــيــان الـــتــل
عمان 29/8/2012