الأحدث

الكاتب والصحفي أحمد ذيبان يكتب عن كتاب الهيمنة الصهيونية لسفيان التل

(الهيمنة الصهيونية على الأردن) بقلم : أحمد ذيبان(كاتب وصحفي أردني) ..
صحيفة الراية, الثلاثاء, 05 فبراير, 2019

«تشليح الميت كفنه».. جملة رشيقة وبليغة مليئة بالسخرية، حقوق الملكية الفكرية فيها محفوظة للدكتور المهندس سفيان التل، وردت في كتابه الموسوم «الهيمنة الصهيونية على الدول العربية.. الأردن نموذجا»، كتبها تعليقا على زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى عمان عام 2016، للاتفاق مع الحكومة الأردنية على برنامج «إصلاحي جديد»، بعد أن دخل الوضع الاقتصادي والمالي للدولة، إلى طريق مسدود بسبب تفاقم المديونية وعجز الموازنة، وانعكاس ذلك بانحدار مريع لمستوى المعيشة لغالبية المواطنين، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، والاستمرار بدعم الفساد!

وجاءت عبارة «تشليح الميت كفنه»، اختصارا بليغا لما تسعى إليه برامج صندوق النقد الدولي، بالنسبة للدول التي تسلم أمرها له، وتعني مزيدا من الإفقار تحت غطاء الإصلاح، وكان الأردن قد تعامل مع الصندوق في برامج عديدة منذ عام 1989، وكانت النتيجة تخبط السياسات ومزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

يبدأ الباحث بطرح سؤال يحاول الإجابة عليه: لماذا نحن متخلفون إلى هذا الحد؟ ولماذا نعيش عصر الانحطاط؟ وربما يكون أحط عصور الانحطاط! وأضيف من عندي أننا نعيش مرحلة «ازدهار عصر الانحطاط العربي»!

وكتاب الدكتور سفيان المشار إليه قد يكون، من أهم الكتب التي صدرت منذ تسعينيات القرن الماضي، بخصوص الهيمنة الصهيونية على الدول العربية، خاصة بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، واتفاقية وادي عربة عام 1994 بين الأردن والكيان، وما ترتب عليهما من نتائج كارثية، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن أكثر ما يميز الكتاب جرأة استثنائية، في الطرح تخترق «الخطوط الحمراء» التي تضعها الحكومات، ويأخذ القارئ في رحلة فكرية وسياسية ممتعة، منذ بداية القرن العشرين وحتى هذه الأيام، عندما بدأت الدول الاستعمارية الأوروبية التخطيط لتفتيت الوطن العربي، وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، واستمر مسلسل كوارث تفتيت وتقسيم الوطن العربي إلى ما نشهده اليوم!

ويستعين التل على إيصال رسالته بالاعتماد على مراجع تاريخية، ووثائق سياسية ومواد إعلامية، وتخصص الأكاديمي «دكتوراه في هندسة تخطيط المدن»، بالإضافة إلى خبرته الطويلة في مختلف المجالات والمواقع التي شغلها في الدولة الأردنية والقطاع الخاص، ومشاركته في الحراكات والمسيرات الاحتجاجية السلمية ضد السياسات الحكومية، التي تسهم في فرض الهيمنة الصهيونية على مقدرات البلد، وتمهد الطريق كما يقول لإقامة «الوطن البديل»، بل أكثر من ذلك فهو يستعرض شواهد ومعطيات وأحداثا، تؤكد أن الأطماع الصهيونية تتطلع إلى السيطرة على مناطق حيوية في الأردن، وأهمها مدينة البتراء السياحية، التي أصبحت الدعاية الإسرائيلية تروج لها، كموقع سياحي وتاريخي عبري وتضع اسم إسرائيل وعلمها، على صور «المدينة الوردية!

ويتناول الكتاب بالتفصيل أساليب اليهود، في السيطرة الناعمة على المدينة، من خلال شراء الأراضي بأساليب ملتوية وغامضة. ويستعرض ما يتداوله السكان المحليون في مدينة البتراء الأثرية، من معلومات تشير إلى تردد سياح إسرائيليين يقومون برحلات راجلة في بعض المناطق، يحملون خرائط خاصة على المدينة، بهدف العبث بالأماكن الأثرية والتاريخية فيها وتزويرها، لإثبات نسبتها لأصول يهودية!

ويشير الباحث إلى خطورة الاتفاقية بين الحكومة الأردنية ونظيرتها الأمريكية، بشأن إقامة قواعد عسكرية أمريكية في الأردن، التي منحت الطائرات والسفن الأمريكية، أذونات دخول دبلوماسية للأراضي الأردنية بدون رقابة وتفتيش، لم تعرض على مجلس النواب، وذلك يتعارض مع المادة «33» من الدستور الأردني.

ويستعرض الباحث خلفيات المشاريع الإقليمية الكبرى، بين الأردن وإسرائيل في سياق فرض الهيمنة الصهيونية، وجميعها تقع داخل الأراضي الأردنية، مثل اتفاقية الغاز، المطارات، قناة البحرين، المفاعلات النووية، تنمية أخدود وادي الأردن، وشبكات الطرق وسكك الحديد التي تربط الكيان الصهيوني مع المشرق العربي عبر الأردن، بالإضافة إلى تأجير منطقتي «الباقورة والغمر»، وفق معاهدة «وادي عربة».

ويؤكد ذلك بالاعتماد على نصوص المعاهدة! ويربط بين إقرار مجلس النواب لقانون صندوق الاستثمار عام 2017، باعتباره رخصة مرور للشركات الأجنبية للمشاركة في إقامة تلك المشاريع من خلال أسماء تحمل جنسيات أجنبية، وشركات مشبوهة يسيطر عليها، أو يمتلك نسبة كبيرة من أسهمها رجال أعمال يهود!

الكتاب وثيقة هامة.. وقراءته ممتعة وموجعة في نفس الوقت.

المصدر: هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *