الأحدث

التل: المرحلة الحالية أخطر ما يواجه الأمة العربية – عام 2011

التل :المرحلة الحالية أخطر ما يواجه الأمة العربية

أجرى الحوار: محمد شريف الجيوسي
2011/05/01

 نجحت سورية في البقاء عمقا استراتيجيا للمقاومة، وحصنا للأحرار العرب.. وما زال استهدافها قائماً.. وقد شرعت في الإصلاح،نتمنى تشكيل محور جديد يضم سورية وتركية وإيران ودمشق في مواجهة الكيان الصهيوني.

الصهاينة يحاولون إثارة الفتن في الأردن؛ لتخفيف عبء محاربة الفلسطينيين الذين هم العدو الأول للصهيونية، وأي توجه لزرع بذور الفتنة هو توجه صهيوني حتماً.

أولويتنا في “التغيير”، كسر حاجز الخوف أمام أنظمة الإرهاب والاستبداد والقمع الذي يعود لسنوات طويلة.

العديد من الأنظمة العربية لم تتقدم حتى بمجرد احتجاجات لدى الغرب على الانتهاكات الصهيونية لحقوقها.

أصوات حقوق الإنسان الأمريكية العالية ضد الدول المعادية لها تعني أنّ عملاء لها وقعوا في شرك وتريد تخليصهم.

هناك مخطط صهيوني غربي يتم تنفيذه حالياً بالنفخ والإعداد لإثارة النعرات بين الأردنيين والفلسطينيين، والتهيئة نفسياً وجسدياً للوصول إلى حرب أهلية، تقدم للفوضى الخلاقة التي تخطط لها أمريكا؛ لينفذ على أشلائها مخططا جديدا لتغيير المنطقة وتحويل الأراضي الأردنية إلى منطقة سكان وكانتونات.

لا سيادة للأردن مع وجود معاهدة وادي عربة، فما زال الصهاينة يقولون أنّ الأردن هي أراضيهم الشرقية، وأنّ الأردن هو المجال الحيوي لـ “إسرائيل”.

يعتبر البروفيسور سفيان التل أحد قلائل يجمعون بين الأكاديمي والسياسة والحراك الدائم، ومودة من يعرفونه واحترام وإعجاب من يقرؤون له عن بعد .

ليس للبروفيسور التل حياة خاصة، غير محبة الوطن والسعي لأجل عزته ورفعة شأنه.. هي عشقه وغاية المنى ..

والحوار التالي يشتمل على هموم الوطن الصغير والكبير ويحمل نظرات استراتيجية لقضايا عربية عديدة مطروحة، دعونا نقرأ معا.

تحتاج المرحلة إلى تحالف وطني واسع يجمع كل القوى الوطنية تحت أهداف وشعارات بسيطة، والقفز عن الأحزاب غير الوطنية والمخترقة من الأجهزة والتنظيمات التي تخضع لتمويل خارجي.

الوحدة: تمر المنطقة العربية بمرحلة دقيقة يختلط فيها النهوض الثوري بالاختراقات ومحاولات حرف الحراك الشعبي والاستغلال وخلط الأوراق وتصفية الحسابات وتجيير مزاج الشعب المتطلع للإصلاح إلى ثورات مضادة، ما هي قراءتكم لهذه المسألة؟

البروفيسور سفيان التل :

يمكن النظر إلى هذه المرحلة على أنّها أخطر المراحل التي تمر بها المنطقة العربية لغير سبب، أولها؛ أنّ الشعب العربي في مختلف أقطاره انتفض وأخذ مقادير الأمور بيده، مصرّاً على تحقيق أهدافه في تغيير الأنظمة الفاسدة التي استباحت الأوطان والأموال وخدمت أعداءها لعقود طويلة.

والجزء الثاني من المعادلة أنّ الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها مخططات لإعادة تقسيم المنطقة وفق ما يسمى بـ (الشرق الأوسط الجديد)، وإعادة تفتيت دوله القائمة، فوجئت بالتحركات الشعبية في تونس ومصر، ما يؤكد أنّ التصريحات التي كان يدلي بها المسؤولون الأمريكان خلال الأيام الأولى لهذه الثورات كانت متناقضة بين يوم وآخر، ولم تكن هذه الثورات بحسب المصطلح الأمريكي ذات بعد استراتيجي أو ذات خطة موضوعة ومدروسة .

وبما أنّ النظام الأمريكي كان يهدف إلى تغييرات في المنطقة تحت مسمّى الفوضى الخلاقة أو الفوضى المدمرة، نستطيع القول أنّ مصالح الثوار العرب المحقة والمشروعة قد تقاطعت في هذه المرحلة مع المصالح الأمريكية في المنطقة، وبذلك فقد حاولت واشنطن وما تزال تحاول التسلل من خلال هذه الثورات؛ لتسخيرها لمصالحها واختطاف هذه الثورات .

وبهذا نحتاج إلى فكر عربي خلاق لحماية هذه الثورات وعدم السماح للولايات وحلفائها وعملائها في المنطقة من اختطافها .

الوحدة: تعتبر مصر هي دولة العرب الكبرى، حيث تقع على مفترقات ثلاثة، هي؛ المغرب العربي ووادي النيل وآسيا العربية، وعلى بحرين المتوسط والأحمر، وقارتين، وتحد الكيان العنصري الصهيوني وجزءاً من فلسطين المحتلة سنة 1967، وتمتلك أعظم عمالة عربية تعمل في غير قطر عربي تشكل دعماً لثروتها القومية من جهة وقدرة على التأثير من جهة أخرى لدى الدول العربية، لكن قيادتي السادات ومبارك لهذا القطر العربي الغالي أفقدتها.

السؤال؛ ما هي رؤيتكم لمستقبل مصر ودورها القادم وانعكاساته الإيجابية أو السلبية المتوقعة؟

بروفيسور سفيان التل :

لا بدّ من أن نربط هذا الموضوع بما تحدثنا به آنفاً، وهو محاولات أمريكا اختطاف الثورات العربية .

فقد سبق أن اختطفت الثورة المصرية بتجنيد السادات ومبارك لخدمتها وحماية إسرائيل، وهذه أكبر نكسة لحقت بأرض كنانة، وأدى اغتصاب الحكم الذي زاوله السادات ومبارك خلال فترة طويلة من الزمن إلى استنزاف مصر وتجنيدها لحماية إسرائيل، وإدارة ظهرها لطموحات الأمة العربية، ولكن أحرار مصر نجحوا في تصفية كلٍ من السادات ومبارك .

ونأمل أن يتمكنوا أيضاً من فهم المطامع الصهيونية والأمريكية في المنطقة إلى كسر الحلقات المتماسكة لدول مصر وليبيا وتونس، وربما أيضاً السودان جنوباً، لأنّ هذا الخط يعتبر الجناح الغربي للأمة العربية، ويجب أن يبقى جناحاً قوياً خفاقاً يساند جناحه الأيسر في آسيا.

لذلك نتمنى أن تلتقي كل القوى المصرية كما هو جارٍ الآن حول الثورة والاستمرار في نهجها الذي يعتبر نهجاً جديداً في الثورات، يمكن أن يؤرخ في العالم والتاريخ كما تم تأريخ الثورة الفرنسية .

الوحدة: من الدقيق القول أنّ أطرافاً عديدة متورطة في التآمر على سورية، لكن ذلك لم يمنع القيادة السورية من الشروع المدروس المتتابع في جملة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، واعتبار كل ضحايا التظاهر من مدنيين وعسكريين شهداء، ما أحرج الأطراف المتورطة في التآمر، التي عملت على تخريب قدرات وتوجهات سورية في الإصلاح، بخاصة بعد أن تكشفت على نطاق إعلامي واسع مخططات تآمرية لم تعد سراً، ومحاولات تهريب أسلحة من العراق ولبنان. ما هو تعقيبكم؟

بروفيسور سفيان التل :

دعنا نقول ضمن النهج الثوري الجديد في أرجاء الوطن العربي، ما لسورية وما عليها، فسورية أولاً نجحت في أن تبقى عمقاً استراتيجياً للمقاومة كحزب الله ـ مثلاً، وحماس والفصائل الفلسطينية، وملجأ لأحرار العراق أيضاً والمهجرين منها، ولا بدّ أنّ كل ذلك يوضع في ميزان الموقف السوري الوطني .

ولكن كثرة التآمرعلى المنطقة والمحاولات المتكررة التي تستهدف سورية من زمن الانقلابات ومحاولات تحطيمها اقتصاديا وسياسيا، دفعت بنظام الحكم لاتخاذ العديد من الإجراءات التي جعل طول أمدها أن لا تحسب لصالحها كقوانين الطوارئ واعتقال المعارضين والتمسك ببعض البنود الدستورية لحكم الحزب الواحد الخ .

ولكن يبدو الآن أنّ نظام الحكم في سورية استوعب التطورات الأخيرة في المنطقة، وباشر الخطوات الإصلاحية، التي نتمنى الإسراع بها؛ لأنّ استهداف سورية من الذين يسمّون أنفسهم دول الاعتدال ما زال قائماً، وهو ما كشفته الكثير من المواقع الإعلامية خططاً ومؤامرات تستهدف سورية وتخطط للاستفادة من الحس الثوري الذي تفجّر لدى الشعب العربي في المنطقة، وأصبح ذلك واضحاً من خلال تهريب السلاح والدفع بسورية إلى حرب أهلية لن يكون نظام الحكم السوري هو الهدف الوحيد منها، ولكن الهدف الحقيقي هو تدمير سورية واقتصادها والقضاء على كل مواقع المقاومة وتحويلها إلى عراق جديد.

وتمنياتنا أن تتمكن كل الأطراف الوطنية السورية في أن تلتقي، وأن يقدم كل طرف ما يكفي من التنازلات للالتقاء مع الأطراف الأخرى؛ لإنقاذ سورية، وحتى لا يكون أحد الأطراف ضحية تخدم المخططات الأجنبية دون علمه.

الوحدة: لا بدّ أنّ الاستراتيجيات والمصالح المتعددة والأولويات لا تبنى على أسس ثأرية وإحن، وإنما وفق معادلات علمية وموضوعية دقيقة، وإلّا ساد عداء الكل للكل، وعزلة الجميع، وقد استطاعت سورية أن تقيم حالة توازن مع أطراف معادلات متباينة، وجسور تفاهم تمتد من موسكو إلى طهران فأنقرة فمدريد والعديد من دول أمريكا الجنوبية في مقدمتها فنزويلا، وغيرها من الدول العربية وغير العربية. هل ترون في ضوء هذه الدينامية الرائعة للدبلوماسية السورية أيّة إمكانية ناجحة لعزلها أو حصارها؟

بروفيسور سفيان التل:

أعتقد أنّ مثل هذه الدول لا تتدخل غالباً في الشؤون الداخلية، وبالرغم من أننا كنا نتمنى أن يتم خلق محور جديد في المنطقة يضم كلاً من تركيا وإيران وسورية، وأن يتمكن هذا الحلف من تشكيل وزن إقليمي في مواجهة الكيان الصهيوني.

ولا بدّ أنّ سورية من الدول العربية المؤهلة لأخذ زمام المبادرة مع كلٍ من تركيا وإيران، بعد أن ثبت أنّه لن يكون هناك أيّ دورٍ لما يسمّى بدول الاعتدال العربية، التي وضعت نفسها في حضن الغرب، دون أن تقدم مطلباً واحداً لصالح القضية الفلسطينية أو قضايا الأمة العربية .

الوحدة: في العلاقة الأردنية مع القضية الفلسطينية ومن بينها؛ حقّ العودة والسلطة والحكومة المقالة والفصائل الفلسطينية.. ما هو الأسلوب الأفضل للتعامل الأردني مع هذه القضية القومية، بل ما هو المطلوب من الأردن تجاهها؟

بروفيسور سفيان التل:

أعتقد أنّ كل الأحرار الفلسطينيين لا يتنازلون عن حقّ العودة، وإذا قام أيّ متنفذ فلسطيني مدعياً أنّه يمثل الفلسطينيين بالتنازل عن هذا الحقّ، فسينتفض الفلسطينيون ضده؛ لأنّ المقاومة الفلسطينية الحقيقية قامت على أسس تحرير الأرض من البحر إلى النهر، وعلى حقّ العودة والتعويض وعدم إلقاء السلاح.

وبالتالي فإنّ أيّ حكمٍ يحاول أن ينتقص من حقوق الفلسطينيين هذه، فإنّه يخدم بالدرجة الأولى الكيان الصهيوني، ويعمل على إضعاف المقاومة الفلسطينية، وإن كانت تمر بمراحل من الصعود والهبوط.

إنّ توطين الفلسطينيين وما يمكن خلقه من محاولات الالتفاف عليهم؛ لإرغامهم على التنازل عن حقّ العودة وحق المقاومة مقابل الإغراء بالمشاريع الاقتصادية والوظائف وتحسين الأوضاع وجوازات السفر وما إليه، يجب أن ينظر إليه على أنّه مؤامرة على القضية الفلسطينية.

ويفترض في الأردن وكل الدول العربية أن تقدم كل التسهيلات للفلسطينيين وأن تزودهم بجوازات سفر أو الوثائق اللازمة للتنقل، وتمكينهم من متابعة حقوقهم وقضاياهم في أيّ موقع وجدوا فيه، وبخلاف ذلك فإننا ننظر إلى أيّ نظام حكم أنّه ينفذ مخططات صهيونية أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، وتصفية الفلسطينيين وتهجيرهم في بقاع الأرض، أو توطينهم على أيّ بقعة عربية لجعلهم في نعيم ينسيهم فلسطين وحقّ العودة.

الوحدة: تحاول أطراف معيّنة إعادة الاحتجاجات الأردنية إلى بعد إقليمي معين، وهو أمر يعلم الشارع الأردني أنّه اتهام يجانب الحقيقة والصدقية تماماً، باستخدامه فزّاعة لإخافة الأردنيين بعامة ولاستمرار ابتعاد الفريق المتهم عن المساهمة بكثافة في الحراك الشعبي الاحتجاجي. السؤال ما هو الخطر الذي قد ينجم عن استمرار الترويج لهذه المزاعم على الوحدة واللحمة الوطنية، وكيف يمكن إسقاط هذه المزاعم وحصارها.

بروفيسور سفيان التل :

لا بدّ من التأكيد على أنّ العدو الأول للصهيونية هم الفلسطينيون الذين سلبت حقوقهم، كما أنّ العدو الأول للصهيونية هم الفلسطينيون الذين يحاولون استعادة وطنهم، ولذلك لجأت المخططات الصهيونية لإثارة الفتن والفساد بين الكثير من العرب في دول مختلفة ومنها الأردن؛ بهدف أن تخفف عن نفسها أعباء محاربة ومقاتلة الفلسطينيين. فإذا نجحت بأن توكل هذا الدور إلى شرائح عربية أخرى تكون قد حققت أهدافها، وبالتالي فإنّ على الفلسطينيين والأردنيين أن يعرفوا أنّ أيّ توجه لزرع بذور الفتنة بينهما هو توجه يجب أن يكون صهيونياً حتماً، وأنّ أيّ نظام حكم يعمل بهذا الاتجاه، إنّما يعمل به إمّا لغباء سياسي أو لضلوعه في مؤامرة على الفلسطينيين وعلى الأردنيين .

وتدرك الكثير من الشرائح الفلسطينية هذا التوجه، وهم في هذه المرحلة يحاولون أن يتجنبوا الدخول في النشاط السياسي، فقلة قليلة منهم من يحاولون المشاركة في الاعتصامات والمسيرات أو الوقوف في وجه الأنظمة الفاسدة، خوفاً من أن توجه إليهم التهم بأنّهم يتآمرون على أنظمة الحكم.

ونحن نتمنى على كل الأطراف الأردنية والفلسطينية أن تعمل الآن يداً واحدة وكتفاً إلى كتف؛ للوقوف في وجه المخطط الصهيوني الرهيب الذي يحاول التوسع وتحويل الأردن إلى منطقة نفوذ صهيونية؛ لأنّهم إن نجحوا في هذا المخطط فسيكون الأردنيون والفلسطينيون ضحايا هذا المخطط، وستكون الصهيونية وعملائها المنتصر الوحيد.

الوحدة: ما هي مطالب الجمعية التأسيسية للتغيير، والاستحقاقات التي ستترتب على تلبية هذه المطالب. وهل ثمة إمكانيات ذاتية وموضوعية مناسبة لتحقيقها؟

بروفيسور سفيان التل :

نحن في الجمعية التأسيسية للتغيير (تغيير)، نعمل على خلق عمل جبهوي يستوعب كل الطاقات الوطنية الفاعلة، ويحاول أن يضع بين يدي جميع هذه الطاقات الجوامع المتفق عليها، والتي تصل إلى ما بين 70 ـ80 % من مجموع الطروحات، وبالتالي فإنّ النقاش والحوار الطويل في النقاط المختلف عليها، والتي تتراوح بين 20 ـ 30 %، هو مضيعة للوقت وهدر للطاقات، وتولد صراعات بين التنظيمات الوطنية التي تعمل جميعها باتجاه التخريب والتفتيت.

ولذلك نقول، علينا الاستفادة من نصف القرن المنصرم، والاستفادة من دروس نصف القرن المنصرم، والذي نجحت فيه قوى خارجية في إثارة الفتن والفساد بين أحزاب وتنظيمات الوطن من أقصى اليمين واليسار، وجعلها تستهدف طاقاتها من قبل بعضها البغض، ما أوقع الأمة في حالة ركود وتراجع، ومكّن أنظمة الفساد والإفساد من الاستمرار في اغتصاب الحكم لأكثر من نصف قرن.

إنّ أولويتنا في “التغيير” كسر حاجز الخوف أمام أنظمة الإرهاب والاستبداد والقمع الذي يعود لسنوات طويلة. وهي أولوية تعود لما قبل الثورة التونسية بسنوات، حيث دعوت في حوار مع جريدة الوحدة عام 2006 إلى ذلك، تحت عنوان:( برامكة عمان يعرضون الوطن للبيع) وفي ذاك الحوار، تحدثت عن حجم الفساد وبيع مقدرات الأمة في الأردن، وحذرت من أنّ الفساد أسقط شاه إيران وأسقط الملك فاروق وأنّ العاقل من اتعظ بغيره.. الخ .

لقد كان حديثي وقتذاك يدل على وضوح الرؤية وتحدي الفساد، بالرغم من أنّ الأجهزة في ذلك التاريخ صادرت الوحدة ومنعت توزيعها .

الوحدة: لا بدّ أنّ تحقيق الإصلاح والتغيير يقتضي ممارسات وتحالفات سياسية جديدة، وممارسات مختلفة عن الصيغ الحزبية المعروفة، بخاصة في ظل ثورة الاتصالات (مع ملاحظة أن التغيير لا يعني بالضرورة قلب النظام السياسي للبلاد فأوباما وصل إلى البيت الأبيض تحت شعار التغيير، ومع ذلك مثلاً أبقى على وزير حرب بوش في موقعه وما زال معتقل غوانتنامو قائماً) ما هي تصوراتكم لمسألتي التحالفات وصيغ الممارسات الجديدة لأنشطتكم السياسية؟.

بروفيسور سفيان التل :

لعل ما ورد في الإجابة السابقة يسلط الضوء على هذا السؤال، فنحن نقول أنّ المرحلة تحتاج إلى تحالف وطني واسع يجمع كل القوى الوطنية تحت أهداف وشعارات بسيطة، حتى نستطيع القفز عن الأحزاب غير الوطنية والمخترقة من الأجهزة والتنظيمات التي تخضع لتمويل خارجي وتخدم أهداف العدو وتعمل ضمن إستراتيجيته وخططه .

ومن هنا نرى أيضاً أنّ الإصلاح الذي بدأت بعض الأنظمة بتنفيذه هو إصلاح صوري، ومحاولات لكسب الوقت، بانتظار الخطط الغربية التي تنقذ أنظمة الفساد من غضبة شعوبها.

وبالتالي كما يبدو على السطح فقد أخذت تظهر تحالفات بين الأنظمة التي ما تزال تتمسك بعقليات الحكم المطلق والقمع والإرهاب والسيطرة على أموال ومقدرات الأمة وتسخيرها لأفراد، عوضاً عن تسخيرها لتنمية البلاد وتطوير مقدراتها.

ولذلك فعلى القوى الوطنية أن تعي مخططات الطرف المضاد وأن تسارع إلى توحيد صفوفها.

الوحدة: يجري استغلال مصطلح أو مفهوم الوطن البديل والتوطين لإحداث اختراق في بنية الشعب الأردني على نحوٍ فتنوي، يخفي في ظاهره سباقاً على المصالح، فيما يضعف سحب الأرقام الوطنية فيحال استمراره من فريق من المواطنين وحدة الشعب الأردني وتماسكه، وقد يقود هذا الفعل إلى تكرار ما حدث في العراق من خراب أسري ومجتمعي، عندما تبنّت أطراف معينة شعارات مذهبية، وسيضعف هذا الأردن في مواجهة إسرائيل، وبالتالي تطبيق المخطط الصهيوني.. ما هو تعقيبكم؟

بروفيسور سفيان التل :

لقد اشتمل وعد بلفور، عند وضعه لأول مرة على فلسطين وشرق الأردن، ولكن تشرشل أصر على استثناء شرق الأردن من الوعد مبرراً ذلك بأنّه يريد مكاناً لتوطين الفلسطينيين الذين سيهجرون من فلسطين، وهذا ما تم سنة 1948، حيث تم توطين المهجرين في مخيمات تحولت بالتدريج إلى مجمعات سكنية بكامل الخدمات، وإن كانت حتى هذا اليوم تحمل اسم المخيمات فهذه هي المرحلة الأولى من التوطين .

أما المرحلة الثانية فتتمثل في الإصرار الإسرائيلي على أنّها ضفتان؛ ضفة شرقية وأخرى غربية. والأكثر وقاحة من هذا أنّ الساسة الإسرائيليين الذين يأتون إلى الأردن يستقبلون بالأحضان هنا، ويصرحون دائماً أنّهم ذاهبون إلى الضفة الشرقية لإسرائيل، لكننا مع الأسف لم نسمع مسؤولاً أردنياً طالبهم بالاعتذار، أو رفض استقبالهم وكأنّهم متفقون معهم فيما يطرحون .

إضافة إلى ذلك، فإنّ عمليات بيع ا لم تحدث في أيّ بلد على سطح الكرة الأرضية، إلّا في الأردن؛ كبيع الماء والكهرباء والاتصالات والفوسفات والبوتاس واليورانيوم والأراضي والموانئ.. إلخ.

إنّ ما تقدم يوحي بأنّ من يقدم على كل هذه البيوعات كصاحب المتجر الذي يفكر بالتصفية، ويضع على باب متجره (تنزيلات بسبب الرحيل).

فهل وصل في علم هؤلاء أنّ المخطط الصهيوني الغربي يتم تنفيذه حالياً، وأنّ النفخ والإعداد في إثارة النعرات بين الأردنيين والفلسطينيين هي لتهيئتهم نفسياً وجسدياً للوصول إلى حرب أهلية، تهيئ للفوضى الخلاقة التي تخطط لها أمريكا؛ لينفذ على أشلائها مخطط جديد لتغيير المنطقة وتحويل الأراضي الأردنية إلى منطقة سكان لا يرتبطون ببعضهم البعض، وإلى مجموعات وكانتونات عشائرية وفلسطينية أو شركسية وشيشانية أو مسيحية، وقس على ذلك .

كل هذا يحدث بتواطؤ إعلامي خطير جداً تقوم به أجهزة معروف ارتباطها وتنسيقها مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة .

وما لم يصح الشعب الأردني بكافة فئاته، ويقفز عن كل الطروحات الإقليمية والجهوية والعشائرية والإثنية، فسيصل الأردني إلى وضع يتمنى به في يوم من الأيام لو كان موحداً وقاوم كل هذه المخططات وتمكن من إيقافها.

إنّ هذه الفتنة متوقعة الحدوث في الأردن، كما هي متوقعة في سورية. والكارثة الكبرى أن لا يستفيد المواطنون في البلدين من دروس الحرب الأهلية التي حدثت في لبنان، وأدارتها أيد خارجية ونجحت في إدارتها وما زالت ظواهرها تبدو يومياً على المسرح السياسي.

الوحدة: ما هو أخطر ما يواجه الأردن حالياً وكيف ستكون المواجهة الناجحة لهذه المخاطر؟

بروفيسور سفيان التل:

إنّ أخطر ما يواجه الأردن حالياً هو تحالف قوى الشد العكسي مع القوى الخارجية والصهيونية، لوقف أيّ نوع من الإصلاح والتركيز على إثارة الفتن والإفساد بين شرائح المجتمع الأردني المختلفة، والاستفادة من عشرات المواقع الإعلامية التي تموّل خارجياً في تهيئة البلد للصراعات الداخلية وتفتيت الأمة، وربما إدخالها في الحرب الأهلية .

الوحدة: ما هوأخطر ما يواجه المنطقة العربية في الوقت الراهن؟

بروفيسور سفيان التل :

أعتقد أنّ أخطر ما يواجه الأمة العربية هو الثورة المضادة التي تخطط لها وتعمل على تنفيذها في المنطقة واشنطن وحلفاؤها الغربيون والصهاينة بالتحالف مع بقايا الأنظمة العربية المتهاوية.

وقد وضعوا خططاً منها النموذجان اليمني والليبي لدعم الأنظمة المتهالكة، ولإثارة حروب أهلية في هذه الدول، وإذا نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها فإنهم سيديرون صراعات في المنطقة تتمخض عن حروب أهلية، وربما تتحول إلى حروب إقليمية، تدار على طريقة الاحتواء المزدوج الذي تم في إدارة الحرب بين العراق وإيران، على مدى ثماني سنوات، كانوا خلالها يقدّمون المعلومات والدعم للطرفين.

الوحدة: البعض يتحدث عن الوحدة الفلسطينية في معزل عن الأرضية التي سيتم على أساسها استعادة الوحدة، ما يخفي مقاصد مشبوهة من تحقيق هذا الهدف النبيل، في حال كان ثمنه وضع غزة وشعبها تحت نفوذ الجنرال الأمريكي دايتون، الذي عاث فساداً في الضفة بمساندة أطراف خانعة فيها. ما هي رؤيتكم لاستعادة الوحدة الفلسطينية على قاعدة المقاومة؟ وبما يحصّن الأردن من المطامع الصهيونية؟

بروفيسور سفيان التل :

لا أرى أيّة إمكانية لأن يتحدا، فهناك أناس يؤمنون بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ويعملون لأجل ذلك… وهناك مجموعات تتبناها قوى غربية ويديرها جنرال أمريكي كدايتون.. يدرب أبناءها على قتل بعضهم البعض ويسميهم فلسطينيون.

وأرى أنّ أيّ وحدة بين هاذين الطرفين ستكون هشّة، وسنجد كل طرف منهما يتحين الفرصة للانقضاض على الطرف الآخر.

لذلك لا بدّ من التفكير بطريقة أخرى كالوحدة بين الفلسطينيين الوطنيين. وليس مع أيّ عميل سواء كان عربياً أو صهيونياً، فهؤلاء فقد الأمل بهم .

مع اختلاف المواقف

الوحدة: في العلاقة الأردنية مع الكيان الصهيوني، ما هو شكل ومضمون العلاقة المطلوبة بما يصون السيادة الأردنية ويحبط التطلعات العدوانية تجاه الأردن.

بروفيسور سفيان التل:

لا أرى سيادة للأردن مع وجود معاهدة وادي عربة، فكما سبق وقلنا ما زال الصهاينة يقولون أنّ الأردن هي أراضيهم الشرقية، وأنّ الأردن هو المجال الحيوي لإسرائيل، وأنّ المشاريع الكبرى التي ستنفذ على الأرض الأردنية معظمها مشاريع استراتيجية لخدمة الصهيونية، ولضمان عبورها إلى منابع النفط، مثل؛ مشاريع سكة حديد حيفاً ـ بغداد، وقناة البحرين، والمفاعلات النووية، والطرق السريعة التي تربط المتوسط بمنابع النفط، علاوة على فتح الأسواق الأردنية للمنتجات الإسرائيلية مباشرة للاستهلاك في الأردن، وعبورها إلى الدول العربية الأخرى برعاية وحماية رسمية.. وليس فقط وإنما بملاحقة لجان مقاومة التطبيع ومنعها من الدعوة للمقاطعة الصهيونية .

أضف إلى ذلك أنّ هناك سلعاً ومنها 2500 سلعة معظمها للمفاعل النووي دخلت البلاد معفاة من الجمارك، في حين أنّ المواطن الأردني ما زال يدفع ضرائب وجمارك على غذائه ودوائه .

وبالتالي فأين هي السيادة الأردنية على أراضيه، إذا لم يستطع إيقاف المشاريع الصهيونية على الأرض الأردنية .

الوحدة: يحتل الكيان الصهيوني أولوية لا جدال فيها بالنسبة لواشنطن والاتحاد الأوروبي، وبخاصة برلين وباريس ولندن وروما.. كيف ينبغي للأردن التعامل مع هذا التحالف العريض الذي يشكّل عماد ما يسمى المجتمع الدولي .

بروفيسور سفيان التل:

يدّعي العالم الغربي أنّه لم يسمع مرة واحدة من رئيس عربي مطالب في القضية الفلسطينية، أو تجاه الكيان الصهيوني، أو تجاه تحويل الصهاينة لمجرى نهر الأردن، لإيقاف ذلك، وهي المياه الضرورية والأساسية للزراعة الأردنية ولضمان مستوى البحر الميت،

ومع ذلك يطالبون الآن الشعب الأردني بدفع ثمن هذه الخطيئة، والعمل على مضاعفة الديون؛ لأنّ مشروع قناة البحرين يكلف نحو 10 ـ 15 مليارات، للمحافظة على مستوى البحر الميت، حيث لم يطرحوا أمام الدول الأوروبية تحميل إسرائيل هذه المسؤولية لأنّها السبب.

وقس على ذلك، عندما يتفق الغرب على دعم الكيان الصهيوني بإلغاء تقرير كتقرير غولدوستون، وعلى المستويات السياسية كافة واحتلال الأراضي الأردنية منذ عام 1967، لكن أحداً لم يحتج على ذلك لدى الدول الغربية، وكذلك لم يخبروا الشعب الأردني أنّ جزءاً من أراضيهم قد احتلت، كتلك المنطقة التي احتلت في وادي عربة وحفرت الآبار فيها وضخت مياهها قبل اتفاقية وادي عربة. وما زالت تضخ إلى هناك، فلماذا لم يطالبوا بوقف هذه الاعتداءات .

لقد أنشأ العالم الغربي الكيان الصهيوني لضمان استمرار تفتيت المنطقة العربية وإدخالها في متاهة عدم الاستقرار وشراء السلاح .

وقام الغرب كذلك بدعم العديد من الأنظمة التي شاركتهم في هذا التوجه، وقبلت بعدم الاعتراض على هذه الخطوات مقابل بقائهم في الحكم .

وقد آن الأوان أن يقول لهم الشعب كفى.. ارحلوا.

الوحدة: يستخدم الغرب مسألة حقوق الإنسان والأقليات والديمقراطية والحرية وحقوق المرأة والطفل ورفض عقوبة الإعدام الخ.. ذرائع لتقويض حرية واستقلال أوطان بذاتها وشرذمتها، ما يتيح له أن يكون مرجعية كل الأطراف وبالتالي الهيمنة على أوطان بكاملها واستعباد أبنائها، في وقت تتراجع فيه الهوامش الديمقراطية في الغرب بذريعة مكافحة الإرهاب الذي خذته سياساته الاستعمارية. تعقيبكم؟

بروفيسور سفيان التل:

من الواضح أننا عندما نسمع صوتاً عاليا من الولايات المتحدة ينادي بحقوق الإنسان في دولة ما كالصين ـ مثلاً ـ أو فنزويلا أو غيرهما من الدول المعادية للسياسات الأمريكية، لا بدّ أن نعرف أنّ هناك مجموعة من عملاء أمريكا قد وقعوا في شرك، وأن هذه المصطلحات ليست إلّا غطاءً أمريكياً لمحاولة تخليص عملائها .

وفي هذا المضمار هناك خطأ واضح بين الكيل بمكيالين في الولايات المتحدة والكونغرس الأمريكي، فهم يطالبون دائما بالإفراج عن أسير صهيوني ويغضون الطرف عن 11 الف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية .

والغرب غير معني بحقوق الإنسان في السعودية وفي دول الخليج العربي، وهي ليست موضوع نقاش، وكذلك الأردن الذي أقام مؤسسة لحقوق الإنسان ليقول للعالم أنّه مهتم في هذا الأمر، ولكن عندما قدم رئيسه تقريراً لم يعجب الحكومة عن سجونها أقالته، لأنّها تريد دائماً تقارير تقبلها الحكومات.

إنّ حقوق الإنسان مهددة في كثير من الولايات المتحدة وفي أوروبا، وكذلك في معظم دول العالم الثالث التي تدور في الفلك الغربي، لكن هذه الحقوق والديمقراطية وحقوق المرأة يغضون النظر عنها ويهملونها.

أمّا حقوق الطفل والطفولة فقد تناقلت كاميرات العالم أطفال إفريقيا الذين يموتون جوعاً وتتخطفهم الطير والنسور دون أن يبدوا حراكاً أو يفكروا بحقوق الإنسان والطفل، وهم يدفنون ملايين أطنان المواد الغذائية في مكاب نفاياتهم وفي البحر.

وكذلك لم نشاهد أيّ تحرك غربي للدفاع عن حقوق الإنسان لدى التيتسيو والهوتو في ناميبيا، حيث قتل الملايين دون أن يتدخلوا لإنقاذ أحدهم..

لكنهم يتدخلون حيث توجد لهم مصالح للسطو على ثروات الأمم ونهب ثرواتها كما حدث في العراق.