إذاعة صوت روسيا – سفيان التل 15-2-2014
حوار مع الخبير الدولي في شؤون البيئة، الدكتور سفيان التل.
حاوره: فهيم الصوراني.
نصّ الحوار:
سؤال: دكتور سفيان، أناقش مع حضرتك بصفتك مستشاراً دولياً في شؤون البيئة، أزمة المياه التي تسارعت وتيرتها في الأعوام الثلاث الماضية بشكل خاص مع قدوم عدد كبير جدا من اللاجئين السوريين إلى الأردن، هذه الأزمة ضاعفت من الضغط على الموارد الطبيعية، ووسائل النقل العام وطرق المواصلات، فضلا عن النفايات المنزلية والصناعية، … إلى آخره، لكن حديثنا سيكون مركزا على الموارد المائية بشكل أساسي، فلو أمكن أن نوصف التداعيات التي سببها لجوء أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى الأردن على كميات المياه الموجودة في الأردن، التي تعاني أصلا من شحّ في المياه؟
جواب: لو سمحت لي قبل أن نصل إلى هذا الموضوع، دعني أطرح سؤالا على كثير من الصحفيين الذين دائما يسألون عن تأثير اللاجئين السوريين أو اللاجئين العراقيين على المياه في الأردن، لكن لم نسمع من أحد يسأل عن تأثير الهجرات اليهودية على المنطقة وأثرها على مياه المنطقة. في البعد التاريخي نقول وقبل أن يضع (سايكس بيكو) حدوده في المنطقة ويقسمها، كانت مياه المنطقة كافية في الأردن وسوريا، وأنا أقول الأردن الحالي وسوريا الحالية وفلسطين الحالية، ولكن في سوريا الكبرى كلها كانت مياهها كافية وزائدة وتكفي حاجة الناس، حتى أنني في أبحاثي القديمة كشفت عن مجموعة من أنفاق المياه التي حفرت في باطن الأرض من الجولان السوري أو من جبل الشيخ أو من الأزرق، وأوصلت المياه إلى الأردن في مناطق مختلفة منه، وقد تأكدنا من بعض الأنفاق، وقمنا برحلات في داخل هذه الأنفاق لمسافات طويلة.
جاء إلى المنطقة ستة ملايين مهاجر يهودي، واستوطنوا في فلسطين، وسيطروا على معظم كميات المياه في المنطقة، وتعدوا على حقوق المياه للجيران في سوريا والأردن والضفة الغربية ولبنان وغيرها، ثمّ أخذوا يستهلكون أربعة أو خمسة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني أو الأردني من المياه، ومن هنا بدأت المشكلة.
الآن عندما نقول أنّ هناك لاجئين سوريين، علينا أن نتذكر أنّه عندما تأسست المملكة الأردنية الهاشمية أو إمارة شرق الأردن بالاتفاق الشهير “سايكس بيكو”، وقسمت المنطقة، فلم تقسم المياه تحت الأرض، والمياه تحت الأرض تكون أحيانا مشتركة بيننا وبين سوريا، وبيننا وبين فلسطين، وبيننا وبين المملكة العربية السعودية، وقس على ذلك.
الآن، الصفة الأولى للأردن كدولة فاصلة بين الكيان الصهيوني وبين الدول العربية، منطقة قليلة المياه السطحية، ولكن هناك دراسات حتى بريطانية صاحبت اتفاقية (سايكس بيكو) استشرفت كميات المياه السطحية والجوفية في الأردن، ووضعوها تحت السيطرة ليتصرفوا بها سياسيا؛ لتحقيق الهدف وهو أن يكون الأردن أو إمارة شرق الأردن وبعدها المملكة مستودعا للاجئين.
سؤال: والآن تضاعفت المشكلة بالنسبة للأردن في الأعوام الثلاث الأخيرة، مع قدوم حوالي 600 ألف لاجئ سوري، فهناك تصريحات رسمية في الأردن عن أنّ هذا العدد الكبير من اللاجئين أدى إلى نقص حاد في المياه في الأردن، التي 90% من مساحتها تقريبا هي أراضٍ صحراوية؟
جواب: أنا أتفق معك، هذا هو الطرح الظاهري، لكن لا يمكن أن ننظر إلى هذه الأمور بمعزل عن الحركات السياسية التي تتم في المنطقة، قيل دائما أنّ الأردن فقير بالمياه، ولم تستخرج كميات المياه منه والآبار الارتوازية إلا بقدر، وكانت تضخ إلى عمان وإلى بقية مدن المملكة، وكان نصيب الفرد منها متدنيا جدا، فإذا أردت أن تقيس ببعض مدن العالم التي تستهلك المياه بطريقة جيدة، كموسو مثلا؛ معدل استهلاك الفرد فيها 500 ليتر في اليوم، أو في بعض المدن تصل إلى 200 لتر في اليوم، وهذه الحدود التي تلزم لحياة نظيفة وآمنة، ولكن لدينا في المدن الأردنية وصل إلى حدّ 40 لترا في اليوم، يختلف من حين إلى حين، عندما قام الأردن بعمل مشروع جرّ مياه الديسي إلى عمان، أنا لا أريد أن أبرئ هذه الخطوة من القرارت السياسية، التي كانت تخطط لتدمير سوريا أو العراق، وتهجير ناس منهم إلى المنطقة، وتم تأمين المياه سلفا لهذا السيل من اللاجئين القادمين من سوريا والعراق إلى الأردن.
سؤال: وزير مصادر المياه في الأردن، السيد حازم الناصر، يقول: إنّ الاستهلاك كلف الأردن حوالي 500 مليون دولار، ويحتاج الأردن إلى مليار دولار إضافية كي لا يتسبب الاستهلاك الإضافي من قبل اللاجئين السوريين بكارثة بيئية بالنسبة للأردن، كما يعتبر الوزير الأردني. هل توافقه على هذا التقدير، وأنّ الأردن على شفة كارثة بيئية تتعلق باضمحلال موارد المياه في حال عدم حلها بشكل مستعجل؟
جواب: دعني أضع التصريحات السياسية والهادفة للوصول إلى أهداف معينة؛ كاستقطاب المساعدات والدعم وإلى آخره، وهذا من حقّ أيّ دولة أن تقوم به، ولكن ليس من حقّ أيّ دولة إذا حصلت على مساعدات ألّا تصرف هذه المساعدات في أماكنها الحقيقية، صحيح أنّه نشأت أعداد كبيرة من الخيم ومخيمات اللاجئين والمعسكرات، وحاولوا من البداية أن يقدموا بعض الخدمات الصحية أو البنية الأساسية؛ كالصرف الصحي، ولكن كل ذلك كان يتم بطريقة ساذجة وإبر آمنة صحيا، ولا شكّ فإنّ المخيمات الموجودة الآن هي في حالة بائسة وغير مقبولة، والمياه غير كافية فيها، وبدون شكّ الأردن ملزم أن يقدم مياه شرب وخدمات صحية، وكل هذه تحتاج إلى تكلفة، ولذلك الذين صنعوا المشكلة لا بدّ أن يتحملوا جزءا كبيرا من تغطية هذه النفقات، وهذا لا نشكّ فيه، ولكن يجب أن تكون أيضا هذه النفقات في أيدٍ أمينة؛ حتى تصل إلى مستحقيها الحقيقيين.
سؤال: دكتور سفيان، أشار خبراء في الأردن إلى أنّ سوريا عندما بنت نحو عشرين سدّا على مياه نهر اليرموك، استحوذت على ما يعادل ستين بالمئة من المصادر المائية من النهر، هل هذا الكلام دقيق، وبالتالي أدّى إلى حصول مشكلة مائية بالنسبة للأردن؟
جواب: دعني أعود قليلا إلى الوراء، اتفاقية وادي عربة التي وقعتها الأردن مع إسرائيل، هي اتفاقية يرفضها الشعب الأردني؛ لأنّها تنازلت عن كثير من حقوقنا المائية لإسرائيل، ودعني أعود إلى منطقة الغمر في الغور، الكيان الصهيوني في عام 1967، دخل إلى الأردن واحتل مساحات شاسعة من أراضي وادي عربة، وحفر فيها آبار ارتوازية عميقة، واستمرّ بالضخ منها لسنوات طويلة، دون أن تنوّه الحكومات الأردنية حتى لو تنويها إلى هذا الوضع، ولم يكشف هذا الوضع إلّا عند توقيع اتفاقية وادي عربة، حيث ورد نصّ واضح في الاتفاقية أنّ إسرائيل تستمر بالضخ من هذه المياه بنفس الكمية ونفس النوعية، وعلى الأردن حمايتها وحراستها، وعدّلوا ذلك وقالوا أنّ إسرائيل تعطي الأردن شيئا من مياه بحيرة طبريا، التزم الأردن بالجانب هذا ولكن إسرائيل ما زالت حتى الآن تأخذ هذه المياه، والأصح تنهب هذه المياه، وإسرائيل لم تلتزم باتفاقياتها معنا، إذ إنّها قدّمت مياها ملوثة عدة مرات، وحتى أنّ محطات تنقية المياه في الأردن عجزت عن تنقيتها؛ لأنّ درجة تلوثها عالية جدا، وقد قيل في حينها أنّها جاءت ليس من بحيرة طبريا وإنّما من بحيرات تربية الأسماك، التي لم تعد صالحة لحياة الأسماك فيها.
سؤال: بالعودة إلى موضوع نهر اليرموك والسدود التي بنتها سوريا آنذاك، هل بالفعل كان في هذا ظلم للأردن من حيث حصته من المياه، أم أنّ هناك يوجد مبالغة في تقديرات بعض الخبراء الأردنيين؟
جواب: سبق وقدمت برامج كثيرة حول هذا الموضوع بالذات، وأثارت ضجة سياسية، وهددت بعض المحطات الفضائية بالإغلاق إذا أعادت بثّها؛ لأنني أقول: إذا المياه المشتركة بيننا وبين سوريا من حقنا أن تكون لنا ولسوريا، ولكن ليس لإسرائيل، فلا يحق للأردن أن يأخذ مياه من سوريا ثمّ يعطيها لإسرائيل.
سؤال: بالنسبة لهذه النقطة هل هناك خلاف رسمي بين الجانبين الأردني والسوري، أم أنّها تقديرات خبراء؟
جواب: كان الطرفان يجلسان ويتفاوضان، وحتى أنّ الأردن كان قد منع المزارعين الأردنيين من أن يقوموا بزراعات على طرف نهر اليرموك؛ لأنّ ذلك كان يزعج إسرائيل، ويقول أنّ المياه يجب أن تصل بالكمية المتفق عليها إلى إسرائيل.
سؤال: كيف يمكن فهم الاحتجاج على بناء سوريا لسدود على نهر اليرموك، وفي نفس الوقت غض النظر عن ممارسات إسرائيل في الاستيلاء على هذه المياه من الحصة الأردنية؟
جواب: عندما كانت المفاوضات تتم حول هذا الموضوع، كانت تتم بسرية وبدون شفافية، ويفاجأ الناس بنتائجها. دعني أقول أنّ اتفاقية وادي عربة وعندما نشرت للعلن، ورد فيها نصّ واضح وصريح: “أنّ الأردن يعطي إسرائيل 25 مليون متر مكعب من مياه نهر اليرموك سنويا، 13 مليون متر مكعب في فصل الشتاء، و12 مليون متر مكعب في فصل الصيف، لم يذكر أيّ إشارة لسنوات الجفاف، وفيما إذا كانت هذه المياه متوفرة أو غير متوفرة في السد، وبعد ذلك مرت سبع سنوات بعد بناء السد لم يجمع السد 25 مليون، المخصصة لإسرائيل، ومعنى ذلك لو أنّ سوريا تركت المياه كلها تصب في نهر اليرموك لكانت أخذت إسرائيل حصتها كاملة ال25 مليون متر مكعب من سد الملك طلال.
سؤال: الأزمة في كافة الأحوال هي قائمة، وحضرتك أوضحت من وجهة نظر تاريخية، كيف بدأ تأثير وجود دولة إسرائيل على كميات المياه الموجودة في المنطقة وتحديدا في الأردن، ونشأ الآن واقع إضافي يتعلق بتأثير تواجد اللاجئين السوريين على الموارد المائية في الأردن، والبعض يحذر من حصول كارثة بيئية. برأيك، ما هي الحلول الواجب اتخاذها الآن للتصدي لهذه المشكلة؟
جواب: أنا أخشى ما أخشاه هو المتاجرة السياسية لآلام اللاجئين السوريين من أجل تنفيذ الخطة الحالية التي يقوم (كيري) بالتبشير بها، ومحاولة تسويقها في المنطقة، وهي توطين وإعادة توزيع الحدود، ولا بدّ من التفكير بهذا الموضوع بخطة الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت عام 1982، والتي سمّيت (بسايكس بيكو) الجديد، وهي إعادة تفتيت دول المنطقة شاملة؛ العراق وسوريا والجزيرة العربية ومصر والشمال الإفريقي، وكل ما يدور في المنطقة يؤكد أنّهم يعملون على تنفيذ هذه الخطة. الآن التركيز على آلام الناس واللاجئين حتى يخلقوا مبررا سياسيا لأوضاع سياسية، وربما لحدود سياسية جديدة في المنطقة، وتأتي بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة أو السوق الأوروبية فتتبرع بدعم المخيمات وتحويلها إلى مدن جديدة؛ لتوطين اللاجئين حتى لا يعانوا من الظروف الصحية التي هم فيها حاليا، لا بدّ من الربط بين البعد الإنساني والبعد السياسي والخطة الأمريكية الموضوعة للمنطقة.