د.م. سفيان الــتــل
خلفية تاريخية
تعتبر فكرة القناة التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت فكرة قديمة، وقد ظهرت أول خرائط لهذه الفكرة في القرن السادس عشر، حيث كانت تربط بين حيفا وبحيرة طبريا، كما ظهرت عام 1850 محاولة بريطانية لربط البحر المتوسط ببحيرة طبريا.
كذلك اقترح الكابتن (وليم الن) شق قناة تربط خليج حيفا بوادي الأردن قرب بيسان ليتم إغراق وادي الأردن حتى البحر الميت، ويستكمل شق القناة جنوبي البحر الميت إلى أن تصل إلى خليج العقبة؛ بهدف إبحار السفن من حيفا إلى العقبة (العرب اليوم 4/5/2004 محمد ابو عريضة)
أمّا الصهيونية فقد حلمت بالفكرة قبل قيام دولة الصهاينة، حيث قام مهندس سويسري يدعي (ماكس بوركارت Max Borgart) اعتنق اليهودية، وسمّى نفسه (ابراهام بن ابراهام) باقتراح قدّمة لــ (ثيودور هرتزل) عام 1899 لشق قناتين عبر الدولة الصهيونية المقترحة في فلسطين:
القناة الأولى: للري، وهي من المياه العذبة تخرج من بحيرة طبريا وتمر عبر الأراضي الفلسطينية.
والقناة الثانية: تربط البحر المتوسط بوادي الأردن، تستعمل للأغراض الملاحية والصناعية وإنتاج الكهرباء.
وقد اهتم (هيرتزل) بالفكرة وأشار إليها عام 1902 في كتابه (التنيولاند Altneuland) وحدد عام 1923 موعدا لتحقيق الفكرة.
وهناك محاولة أخرى قامت بها الوكالة اليهودية عام 1938 أثناء الانتداب البريطاني، وذلك بتكليف خبير ري أمريكي هو (البروفسور لاود رميلك) والذي طار فوق فلسطين وقدّم مشروعه عام 1944 متضمنا التوصيات التالية:
1-تحويل مجرى نهر الأردن إلى المنطقة الساحلية وصحراء النقب، والاستيلاء على روافده الرئيسة؛ الحاصباني وبانياس.
2-الاستيلاء على مياه نهر الليطاني؛ لاستعمالها في الزراعة والطاقة الكهربائية.
3-شقّ قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الميت، تبدأ من خليج حيفا عبر نهر المقطع ومرج ابن عامر إلى العفولة ثمّ وادي جالود إلى غور بيسان، حيث تمر عبر مجرى نهر الأردن وتصل إلى البحر الميت.
محاولات الكيان الصهيوني
بعد سنتين من إعلان دولة الصهاينة، أي عام 1950، كلّفت حكومتهم المهندس (جون كيتون John Keyton) بإعداد خطة شاملة للري والطاقة، واستمر (جون كيتون) حتى عام 1955، يقدم الدراسة تلو الدراسة، وكلها تركز على ربط البحر المتوسط بالبحر الميت وبمسارات مختلفة.
بعد ذلك أخذت حكوماتهم المتعاقبة تشكل اللجان لمتابعة الموضوع، واقترحت لجنة (اكشتاين) عام 1974 مسارا يبدأ من جنوب يافا مرورا بخربه قمران شمال البحر الميت وعبر نفق تحت جبال القدس.
واقترح المهندس (شلوموغور Shilomo Ghor) قناة تبدأ من مياه خليج الكرمل على البحر المتوسط وعبر نهر المقطع وتصب في غور الأردن قرب بيسان، وتكون ما سماه ببحر الأردن حيث يمتد من بيسان إلى وادي عربة بعرض يتراوح ما بين 4-14 ميلا وطول 144 ميلا. وقد كثرت المسارات المقترحة للقناة حتى بلغت 27 مسارا (د. سفيان التل، قناة وثلاثة بحور، مجلة العربي سبتمبر 2001).
أمّا القرار الأخير فقد استقر على مقترح البروفسور (يوفال نيئمان) عام 1977، ويبدأ هذا الممر من مستعمرة قطيف على ساحل غزة وينتهي عند عين بقيق جنوبي البحر الميت.
بدء التخطيط والتنفيذ
أعلنت حكومة الكيان الصهيوني عن هذا المشروع لأول مرّة عام 1978 بعد أن كانت تتكتم عليه. وفي عام 1980 وبعد أن أنهت اللجنة التي يرأسها (يوفال نيئمان) الدراسة اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بتنفيذ المشروع.
بعد ذلك أخذوا يعملون على تسويق هذا المشروع، ويدفعون إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية أهدافا متعددة له، وقدّموا ولأول مرّة تقريرا رسمياً إلى مؤتمر الأمم المتحدة لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة والذي انعقد في نيروبي عام 1981.
في نفس العام تشكّلت في الأردن ولأول مرّة دائرة البيئة في وزارة الشؤون البلدية والقروية والبيئة، ونقلت إليها بعد أن كنت مديرا لدائرة التخطيط الإقليمي.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ اهتمامي بمشروع القناة هذا، وبالظروف البيئية التي يمكن أن تؤثر في المنطقة بكاملها. وحيث بدأت أمثّل الأردن لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومقره الرئيس في نيروبي أيضا.
وصف المشروع الإسرائيلي
– تبدأ القناة بمضخات تسحب المياه من البحر المتوسط قرب مستوطنة قطيف شمالي قطاع غزة، وتضخ في قناة مكشوفة طولها 1.6 كم على الساحل، ثمّ تدخل في أنبوب مضغوط بطول 5.3 كم وقطر 4.7م، عبر قطاع غزة شمالي خان يونس بخمسة كيلومترات.
– بعد هذا النفق تبدأ قناة مكشوفة بطول 22كم وعرض 25م، تليها محطة ضخ ترفع المياه إلى حوالي 100 متر (325) قدما، لتصب في بركة تخزين للمياه.
– بعد ذلك تنساب المياه من بركة التخزين إلى نفق تحت الجبال، طوله حوالي 80كم، وقطره حوالي 5.7 أمتار (15) قدما، وبه عدّة فتحات للتهوية، وينتهي عند ساحل (بليم) على البحر الميت.
– وعلى نهاية النفق تقام عدّة برك بارتفاعات متفاوتة؛ للأستفادة من تدفق وسقوط المياه، وإنشاء ما سمّي بمحطة كهرباء البحر الميت.
– تسقط المياه بعد ذلك على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الميت عند عين بقيق ومسعدة.
وبذلك فأنّ إجمالي طول القناة سيكون 114 كم، وتبلغ طاقتها 50م مكعباً في الثانية، أو 1700 مليون متر مكعب سنويا.
الأهداف الإسرائيلية للمشروع
هناك أهداف أعلنتها إسرائيل، وهناك أهداف ظلت خفية وفي طي الكتمان، ومن مجمل الأهداف المعلنة ما يلي:
1- توليد طاقة كهربائية نتيجة فرق الارتفاع.
2- استغلال الطاقة الكهربائية بطريقة جديدة، ناتجة عن الفارق في درجات الحرارة بين طبقات الماء العليا والأقل ملوحة (الواردة من البحر المتوسط) وطبقات الماء السفلى (مياه البحر الميت)، وذلك عن طريق استغلال الطاقة الشمسية الساقطة على الطبقات العليا. ويتم ذلك باستعمال أنابيب غاز (الفريون) لتوليد الكهرباء وتشغيل المولدات (المرايا الشمسية).
3- إقامة عدّة مفاعلات نووية على امتداد القناة؛ لإنتاج الطاقة والصناعات النووية وتحلية المياه، وقيل أنّها أربعة مفاعلات.
4- إقامة مجمعات سكنية تستوعب آلاف المهاجرين الجدد، وتزويدهم بالطاقة الكهربائية والنووية المولدة.
5- استغلال الصخور الزيتية، وإنتاج 20 ألف برميل زيت يوميا.
6- إقامة مجموعة من البحيرات الصناعية، واستغلالها للغايات السياحية ولتربية الأسماك والجمبري.
7- إقامة حوالي 100 مستوطنة زراعية على امتداد النقب الشمالي.
8- رفد البحر الميت بالمياه؛ تعويضا عن تحويل مجرى نهر الأردن.
9 – أمّا أعجب الأهداف وأغربها فهو هدف ديني، وحسب اعتقادهم هو تحقيق النبوءة الواردة في سفر حزقيال الإصحاح 47 الآية رقم عشرة، والتي تقول: “ويكون الصيادون واقفين عليه من عين جدي إلى عين عجلايم يكون لبسط الشباك ويكون سمكهم على أنواعه كسمك البحر العظيم كثيرا جدا”
ومن هذا المنطلق تقول صحيفة (يديعوت أحرونوت) أنّ مجموعة من رجال الأعمال يرغبون بصيد السمك في البحر الميت، ويحاولون إقناع المسؤولين العسكريين عن المنطقة بمنحهم حق الصيد، وأنّهم أقنعوا رئيس المجلس الإقليمي بأنّهم جادون في طلبهم، وتعهدوا للسلطات بأنّ التصريح سيشير إلى أنّه ليس هناك أسماك في البحر الميت. ويسعى رجال الأعمال فور حصولهم على الإذن لبيع تصاريح الصيد بنحو 100 دولار لكلّ مسيحي يؤمن بأنّ النبوءة على وشك أن تتحقق. (صحيفة الرأي، تاريخ 10-10-2003)
مستوى سطح البحر الميت
في عام1954 كان مستوى سطح البحر الميت (-395 م) تحت مستوى سطح البحر، وكان مستوى سطحه يكاد يكون في حالة توازن بين ما يصب فيه وما يتبخر منه. وكان معدل جريان نهر الأردن يساوي (1200) مليون متر مكعب في السنة، يضاف إليها 4 آلاف مليون متر مكعبا، تصب في البحر الميت من شرقه وغربه. وكان حوض البحر الميت الشمالي يساوي 756 كم2، وحوضه الجنوبي 244كم2 (أي أنّ كامل مساحة البحر الميت كانت عام 1954 تساوي 1000 كم2).
وبسبب تحويل مجرى نهر الأردن، وبسبب المشاريع التي أقيمت لحجز المياه التي ترفد نهر الأردن، أخذ منسوب البحر الميت يتناقص تدريجيا حتى بلغ منسوبه عام 1996 (410- مترا) تحت مستوى سطح البحر. أي أنّ منسوب سطح البحر الميت قد انخفض 15 مترا ما بين عامي 1954 و 1996.
أمّا دراسات الكيان الصهيوني فقد توقعت أن ترفد هذه القناة البحر الميت بما يساوي 1600 مليون متر مكعب سنويا، وبإضافة 600 مليون متر مكعب من الروافد، سيصب في البحر الميت ما مجموعه 2200 مليون متر مكعب سنويا. وليعود مستوى سطح البحر إلى (395- مترا) تحت مستوى سطح البحر عام 2000، وتعود مساحته إلى ما كانت عليه في الخمسينات. وبعد عام 2000 توقعت الدراسة الإسرائيلية أن تزداد مساحة البحر الميت لتصل إلى 1173كم2، وبذلك سوف تغمر المياه أجزاء خارج البحر الميت لتصل إلى غور الصافي وغور فيفا في الأردن. (سفيان التل- قناة وثلاثة بحور- مجلة العربي، العدد 514 سبتمبر-2001)
التكاليف عام 1983
المعلومات التي تواردت عن التكلفة حسب أسعار عام 1980، تراوحت ما بين 680 – 800 مليون دولار. وقدّرت تقارير أخرى التكلفة بأنّها ستتجاوز 1000 مليون دولار (بليون دولار).
إلّا أنّ الكيان الصهيوني قدّر تكلفة المشروع عام 1983 بــ 1.5 بليون دولار، كما قدّر أنّه سيتم جمعها من خلال منظمة السندات الإسرائيلية. وقد تمكنت هذه المنظمة من جمع 100 مليون دولار؛ لتغطية المرحلة الأولى من المشروع.
وقدّرت إسرائيل أيظا أنّ المشروع يحتاج إلى سنتين؛ لإعداد الدراسات والمسوحات والمخططات والتصاميم النهائية وشروط العطاء.
كذلك فقد أعلن عدد من الشركات الدولية، من سويسرا وكندا وجنوب إفريقيا، عن استعدادها للمساهمة في تنفيذ أو تمويل المشروع، ورحّب الصهاينة بذلك.
الجدوى الاقتصادية للمشروع:
بالرغم من الترويج والتسويق الإعلامي الذي قام به الكيان الصهيوني لهذا المشروع، والتركيز على أنّه إنجاز علميّ وتكنولوجيّ متميز، فقد رافق ذلك حملة معارضة في داخل إسرائيل منذ الإعلان عن المشروع، واعتبرته مشروعاً متسرعاً ومتهوراً، يحتاج إلى الدراسة؛ للتأكد من مدى جدواه الاقتصادية، وأنّ أيّة دراسات معمقة قد تثبت عدم جدوى هذا المشروع.
كذلك اعترفت لجنة التخطيط بأنّ المشروع لن يرد تكاليفه قبل ثلاثين عاما من بداية الإنتاج. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار عشر سنوات للتخطيط والتنفيذ، فإنّه سيرد تكاليفه بعد 40 عاما. يضاف إلى ذلك الخسائر التي يمكن أن تلحق بشركة البوتاس الإسرائيلية من جراء ارتفاع منسوب البحر.
ورغم هذا استمرت حكومتهم تشير إلى المكتسبات الاستراتيجية والسياسية دون أن تحددها أو تدخل في تفاصيلها، مما يؤكد ما أشرنا إليه سابقا بأنّ هناك أهدافا غير معلنة للمشروع.
سلبيات المشروع على الأردن
السلبيات التي سنوردها هنا هي خلاصة لآراء مختلف الجهات الأردنية، سواء كانت وزارات أو مؤسسات أو جامعات أو شركات. ووضعت لتساعد الساسة الأردنيين على التصدي لهذا المشروع على المسرح الدولي:
أولا: الأخطار الاقتصادية والاجتماعية
1. إغراق أراضٍ أردنية نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر.
2. غمر منشآت ومرافق سياحية ومواقع أثرية.
3. إغراق أجزاء كبيرة، من طريق سويمة – غور الصافي العقبة، حيث أنشئ هذا الطريق بعد انحسار مستوى سطح البحر الميت.
4. أضرار كبيرة ستلحق بشركة البوتاس الأردنية. إذ إنّ شركة البوتاس قد أقامت منشآتها بعد تحويل مجرى نهر الأردن، أي على المستوى المنخفض للبحر الميت. وتشمل هذه المنشآت الأقنية والملاحات والسدود ووحدات الضخ وأقنية التصريف والمرافق المقامة عليها. هذا وسوف يتعرض كامل مشروع البوتاس الأردني للإغراق عندما يصل مستوى سطح البحر الميت إلى 386 م تحت سطح البحر.
5. سوف تتأثر سلبا مشاريع استغلال المعادن، مثل؛ صخور البوتاس والصخر الملحي واستخراج البترول والغاز الطبيعي من شبه جزيرة اللسان. كما سيتأثر صخور القار من وادي عسال.
6. ستتأثر سلبا مشاريع سلطة المصادر الطبيعية في استغلال الطاقة الحرارية الجوفية للمياه الحارة في منطقة الزارة.
7. سوف تغمر بعض التجمعات السكانية؛ مما يؤدي إلى تهجير وتشريد سكانها.
8. احتمالات تزايد النشاط الزلزالي؛ نتيجة ازدياد الضغط على قعر البحر الميت. ومن المعروف أن المنطقة ذات نشاط زلزالي خفيف ولكنّه مستمر. وتعتبر حفرة الانهدام إحدى مناطق الضغط البنيوية الرئيسة في العالم، والتي تعرضت خلال الأزمة الجيولوجية لعدة حركات صدعية وبراكين وزلازل، وكلّنا عشنا بعضاً منها، وخلال هذه السنة والسنوات التي سبقتها شعرنا بثلاث هزات في المنطقة.
ثانيا: الأضرار البيئية
1. الضرر البيئي الأول هو تحويل البحر الميت -وهو إرث بشري متفرد ومتميز- إلى بحر حيّ. إذ إنّ القناة ستنقل إليه أنواعاً جديدة من الأحياء المائية، والتي ستحملها مياه البحر المتوسط، مما يحدث تغيرات بيولوجية وكيماوية في تركيبة مياهه.
2. اختلال التركيز الكيماوي لطبقات مياه البحر الميت سيؤدي إلى تكوّن طبقة علوية، يكون تركيز الأملاح فيها أقل من التركيز الحالي للطبقة العليا.
3. وصول البقايا الصلبة والسائلة من الصناعات إلى مياه البحر الميت سيؤدي إلى تلوثها كيميائيا.
4. ازدياد أخطار التلوث الناتجة عن النشاط النووي للمفاعلات المتوقع إقامتها على امتداد القناة، إذ إنّ استخدام مياه القناة في تبريد هذه المفاعلات النووية سوف يكون له آثار سلبية على البحر الميت والأراضي الأردنية والبيئية بشكل عام، نتيجة لتسرب المواد المشعة إلى الهواء والماء. آخذين بنظر الاعتبار احتمال حدوث الزلازل وتسبيبها للتصدعات في المنشآت النووية.
5. غمر بعض المواقع الأثرية ومصبات الينابيع المعدنية الأردنية.
6. انخفاض تركيز الأملاح سيجبر شركة البوتاس العربية على زيادة كمية المياه التي يتم ضخها من البحر إلى الملاحات، إضافة إلى زيادة مساحة هذه الملاحات بحيث تعطي نفس الكمية بنسبة تزيد عن 15%.
7. إنشاء هذه القناة سيزيد من فرص استغلال الصخر الزيتي، وإقامة المصانع اللازمة لذلك. حيث إنّ هذه القناة سوف توفر المياه اللازمة لهذه الصناعة، ومن المعروف أنّ صناعة الصخر الزيتي تنفث إنبعاثات سامّة مثل غازات الكبريت والنيتروجين، وأي إنبعاثات أخرى حسب طبيعة الصناعات التي يمكن أن تنشأ بالتالي هناك. يضاف إلى ذلك تلويث البحر الميت بالمخلفات الزيتية التي سوف تتسرب بالتأكيد إلى مياه البحر الميت.
8. مخاطر يمكن أن تنتج عن سوء الاستعمال أو التخزين أو الانفجار في منطقة غير مستقرة عسكريا وسياسيا، وعلينا أن نتذكر الحوادث النووية في كلّ من (جزيرة الثلاثة أميال Three Mile Island) و(تشيرنوبل)، بالإضافة إلى كثير من حوادث التسربات النووية التي لم يتم الإعلان عنها.
ثالثا : التأثيرات السلبية على المياه الجوفية العذبة
حسب آراء الجيولوجين هناك حدّ فاصل بين المياه الجوفية العذبة والمياه الجوفية المالحة، ويتأثر ذلك الحدّ نسبيا عند زيادة المياه المالحة أو نقصانها، فيتقدم عند الزيادة نحو الشرق ويتراجع إلى الغرب عند النقصان، (حالة متشابهة في الأزرق). وسوف يؤدي شقّ القناة الإسرائيلية إلى تدفق مياه البحر الأبيض المتوسط نحو البحر الميت بمعدل 1600 مليون متر مكعب سنويا، ورفع منسوب البحر الميت في أول عشر سنوات إلى 10 أمتار، وفي العشر سنوات التي تليها 5 أمتار أخرى.
إنّ عمق 15 مترا، مضروبا بمساحة البحر الميت المقدرة بــ 1000 كم2، تساوي 15000 مليون متر مكعب من المياه ذات وزن ثقيل بسبب احتوائها على نسبة عالية من الأملاح. وإنّ هذه الزيادة في منسوب البحر الميت والوزن الناتج عنه سوف يؤدي إلى تحريك الحدّ الفاصل بين المياه الجوفية العذبة والمالحة نحو الشرق على الشاطئ الشرقي للبحر الميت، وسوف يؤدي ذلك إلى الضغط على المياه الجوفية العذبة المخزونة وتحريكها حركة دائرية بعكس عقارب الساعة؛ وذلك بسبب طبيعة المنطقة الطوبغرافية والضغط المعاكس من جهة الشرق وعدم نفاذية الصخور من الجهة السفلية، والنفاذية المرتفعة للصخور على السطح بسبب التشققات المكثفة في المنطقة باعتبارها جزءاً من حفرة الانهدام، والتي شهدت حركات تكتونية ضخمة في الماضي.
بالتالي سيؤدي ذلك إلى خروج كميات هائلة من المياه الجوفية إلى السطح، قدّرت بمعدل 484 مليون م3 سنويا. وسوف تنساب هذه الكمية إلى البحر الميت ويتبخر جزء منها، وسيؤدي ذلك بالتالي إلى حرمان الأردن من جزء لا يستهان به من مخزونه من المياه الجوفية، لا سيما أنّ مصادر المياه في الأردن شحيحة ولا تكاد تكفي حاجات النشاطات المختلفة.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية للمشروع الصهيوني
تتلخص الأبعاد السياسية والاستراتيجة للمشرع الإسرائيلي ببناء المستعمرات للغابات الاستيطانية، وجلب المزيد من المهاجرين وخلق واقع ديموغرافي جديد في المنطقة، وخلق رافد بشري مستمر لقواهم العسكرية. وإقامة أربعة مفاعلات نووية متعددة الأغراض، وترسيخ الثقة بكيانهم في أذهان اليهود في مختلف أنحاء العالم، مما يشجع على جذب الشباب اليهود للعمل في بناء القناة والمشاريع التابعة لها، والتي ستعمل على استغلال الثروات الطبيعية والمواد الأولية غير المستغلة في جنوب فلسطين، وفتح آفاق شاسعة لتطوير القاعدة الصناعية الإسرائيلية، وفي نفس الوقت إحباط الإنسان العربي من خلال إظهار إسرائيل بأنّها قادرة على إقامة المشاريع الكبرى.
موقف القانون الدولي
في ذلك التاريخ، وكان قبل توقيع اتفاقية وادي عربة، كان الرأي الأردني يتلخص في
أن المشروع الإسرائيلي مخالف للقانون والأعراف الدولية للأسباب التالية:
1. يعتبر المشروع محاولة من جانب واحد للتصرف في مياه مشتركة، حيث إنّ الأردن دولة مشاطئة للبحر الميت، وتسيطر على أكثر من نصف شواطئه ومياهه، والتي لها حقّ السيادة عليها بموجب القانون الدولي.
2. إنّ شق القناة يعتبر خرقا للصلاحيات الممنوحة لسلطة الاحتلال بموجب المادتين 52 و 53 من لوائح لاهاي سنة 1907، واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب والمعقودة في 12 آب 1949، وانطباق تلك الاتفاقية على الأراضي العربية المحتلة.
3. إنّ شق القناة يعتبر خرقا لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والتي أكدتها جملة قرارات الأمم المتحدة.
4. سيلحق المشروع أضرارا مباشرة ولا يمكن تعويضها بالحقوق والمصالح الحيوية الأردنية، وهذا أمر مخالف لقواعد القانون الدولي.
5. سيلحق المشروع أضرارا مباشرة بإنتاج واستثمارات شركة البوتاس العربية التي يساهم في رأسمالها عدّة دول عربية، وبالتالي فإنّ لتلك الدول العربية المساهمة في شركة البوتاس الحقّ في الاعتراض والتصدي للمشروع الإسرائيلي؛ لأنه سيلحق أضرارا مباشرة بإحدى مصالحها.
6. إنّ عزم الكيان الصهيوني على إقامة عدد من المفاعلات النووية على امتداد القناة؛ للاستفادة من مياه القناة في أعمال التبريد، لأمر خطير، خاصة وأنّ هذا الكيان لم يوقع على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية ويرفض السماح لخبراء وكالة الطاقة الذرية الدولية بتفتيش منشآته النووية.
7. أعلن كثير من الفنيين والاقتصادين الصهاينة والدوليين أنّ الجدوى الاقتصادية للمشروع لا تعادل الأضرار المباشرة والجسيمة المترتبة على تنفيذه. مما يؤكد أنّ هناك تستر وراء الأغراض الاقتصادية وأنّ الهدف الجوهري هو استراتيجي وسياسي، وبالتالي فهناك تعامل بسوء النية وإساءة في استعمال حقوق وواجبات الدول.
موقف جلالة المرحوم الملك حسين من القناة
حدد جلالة الملك حسين رحمه الله موقفه من المشروع بصراحة وفي مناسبات متعددة، نذكر على سبيل المثال بعضا منها:
ففي حفل افتتاح المؤتمر العربي الرابع للثروة المعدنية بتاريخ 9-4-1981، قال:
“إنّ إسرائيل تقدم على عدوان جديد يتمثل بشقّ قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت، دون أن تعبأ بالقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وما يتعرض له بلدنا الأردن نتيجة ذلك من أخطار وأضرار، إذ إنّ البحر الميت -كما تعلمون- يقع في أرض الأردن التاريخية وتحت سيادته الوطنية، كما أنّ ربع هذا البحر هو جزء لا يتجزأ من أراضي الضفة الغربية من الأرض العربية الفلسطينية المحتلة. وإسرائيل بهذا العمل تواصل كشف نياتها العدوانية المميتة وتهديدها للأمن والسلام في منطقتنا العربية جمعاء. كذلك فإنّ مشروع هذه القناة ينطوي على شرّ الأخطار ضدنا وضد أمتنا العربية، مثلما يصيب الاقتصاد الأردني ومشاريع التنمية الأردنية بأضرار فادحة. وأنّ الأردن إذ يحذر من العواقب الخطيرة المترتبة على هذا العدوان السافر فإنّه يتمسك بكامل حقّه المشروع في الاستعانة بأمته واللجوء إلى المحافل الدولية لمنع إسرائيل من الإقدام على تنفيذ هذا المشروع، ووضع العالم -كما اعتادت- أمام الأمر الواقع”
كذلك فقد أشار رحمه الله إلى هذا الموضوع في خطابه في حفل تخريج الفوج الثاني من طلبة جامعة اليرموك بتاريخ 14-6-1981، حيث قال:
“يخططون لعدوان جديد على صعيد إقليمي وعلى الأردن بالذات وعلى فلسطين، بجرهم مياه المتوسط إلى البحر الميت لتبريد مفاعلات نووية جديدة يقيمونها في المنطقة، وكأنّها حقّ لهم وحرام على الأمة العربية”.
وفي مقابلة صحفية مع مجلة المستقبل تاريخ أيلول 1981، العدد 237، قال:
“إن مشروع القناة التي بدأ بإقامتها لضخ المياه من البحر المتوسط إلى البحر الميت مسألة لا تعنيهم وحدهم، فالبحر الميت نصفه أردني ونصفه الآخر فلسطيني، إنّه عدوان صارخ على الحقوق العربية وعلى الأردن بالذات.
إن المعلومات المتوفرة لدينا تفيد بأنّ هذه القناة لن تكون لتوليد الطاقة، بل لتكون جزءا من مشروع مفاعلات ومحطات نووية تتولى إسرائيل إنشاءها”.
– أمّا رئيس الوزراء الأردني فقد قال بتاريخ 29-3-1980، وأمام المجلس الوطني الاستشاري: “إنّ تنفيذ المشروع له أبعاد سياسة وأخطار أمنية على الأردن بصفة خاصة وعلى الأمة العربية بصفة عامة وله أخطار أيضا على جميع دول المنطقة”.
– أبلغت الأردن جامعة الدول العربية بالأخطار المترتبة عن المشروع، وطلبت تعميم ذلك على الدول العربية، وبناء على ذلك بحث مجلس جامعة الدول العربية في دورته 75 في تونس بتاريخ 23 أذار 1981، الموضوع وأصدر قرارا يشجب المشروع، ويوصي بعرض الموضوع على مؤسسات الأمم المتحدة؛ لاستصدار قرار يمنع إسرائيل من شقّ القناة، والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية؛ للحيولة دون المشاركة في تمويل المشروع أو تقديم أيّة معونات من أجله. وإدراج جميع الشركات والمؤسسات المالية والهندسية التي تقبل أن يكون لها أيّة علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالمشروع في القائمة السوداء.
– وكان لمنظمة أوبك (منظمة الدول العربية المصدرة للنفط) رأيّ في المشروع، فقد استنكرته واعتبرته شكلا مستترا من أشكال العدوان على فلسطين والأردن، ويستهدف بصفة أساسية تغير الحقائق الجغرافية للأراضي العربية.
– أدان مؤتمر وزراء الخارجية للدول الإسلامية الذي انعقد في بغداد من 1-6 81 هذا المشروع، وأصدر قرارا يدين بشدة العدوان الصهيوني الجديد على الموارد الطبيعية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. ويحذر العدو الصهيوني من مغبة الاستمرار في تنفيذ المشروع، ويطالب الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية إدانة هذا العدوان. ويدعو دول العالم وحكوماتها إلى عدم الإسهام في تنفيذ هذا المشروع؛ ماليا أو بشريا أو فنيا، وعدم تقديم ايّة مساعدات مادية أو معنوية قد تساعد العدو الصهيوني على تنفيذ هذا المشروع. وتحذر المؤسسات والشركات والأفراد في العالم من الإسهام في تنفيذ هذا المشروع، وتعريض نفسها للعقوبات الاقتصادية وتطبيق قوانين أحكام المقاطعة العربية والإسلامية.
– أصدر مؤتمر الأمم المتحدة لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في نيروبي (10-21-8-1981)، قرارا بإدانة المشروع الإسرائيلي، وطالب القرار بوقف تنفيذ المشروع باعتباره عمل غير شرعي.
هذا وقد تمت الكتابة إلى السفير الأردني في واشنطن حول الموضوع لمتابعة الاتصال بالأوساط الأمريكية، وشرح وجهة النظر الأردنية ومعرفة احتمالات ومصادر التمويل.
مشروع القناة في أروقة برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP
بعد أن طرح الكيان الصهيوني -كما سبق وأسلفنا- المشروع رسميا ولأول مرّة في مؤتمر الأمم المتحدة لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في نيروبي عام 1981، تفاجأ ممثلو الأردن، وأخذت تصدر عنهم تصريحات متضاربة.
صادف ذلك بدايات تأسيس دائرة البيئة، وكنت كمدير لدائرة البيئة أحضر اجتماعات المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي. وانطلاقا من إحساسي بضرورة تشكيل موقف رسمي موحد، اقترحت على دولة رئيس الوزراء تشكيل لجنة وطنية تعد دراسة حول المشروع، ويكون للأردن بناء عليها موقف موحد من مشروع القناة الإسرائيلي في أروقة الأمم المتحدة.
قرّر دولة رئيس الوزراء تشكيل لجنة ضمت اثنتي عشرة وزارة ومؤسسة رسمية وأهلية، وشرفني برئاستها.
وتمكنت اللجنة وبعد الاستعانة بكلّ من اعتقدنا أنّ لديه معلومات يمكن أن تضيف شيئاً إلى الموضوع، من إنهاء دراسة التأثيرات السلبية الناجمة عن شقّ قناة بين البحر المتوسط والبحر الميت، وتحديد موقف الأردن الرسمي، والذي لم يخرج عن مجموع النقاط التي أسلفنا ذكرها.
كان موعد انعقاد المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في أيار من عام 1983. وكتب وزير البلديات والبيئة إلى دولة رئيس الوزراء يطلب أن يتولى الوزير نفسه رئاسة الوفد إلى نيروبي في كينيا، وكتب وكيل الوزارة رسالة مشابهة طلب أن يتولى هو رئاسة الوفد وبدون علم الوزير الذي كان خارج البلاد. إلّا أنّ دولة الرئيس طلب الدراسة أولا، بعد أن اطلع عليها شرفني مرّة أخرى برئاسة الوفد إلى نيروبي.
وقد رأينا أن نتبع استراتيجية لإقناع الوفود، وخاصة الأوروبية منها، بتأييد وجهة نظرنا، أن نطرح الموضوع من وجهة النظر البيئية فقط، وعلى أنّه مشروع يدمر بيئة البحر الميت، وألّا ندخل في كثير من السلبيات الفنية، إذ إنّها قد تضعف الحوار ويكون الرد علينا أنّ كلّ خسارة قابلة للتفاوض والتعويض.
وقد استطعنا أن نطرح مشروع قرار تبنته المجموعة العربية والآسيوية أولا، ثمّ حصلنا على شبه إجماع بما في ذلك الدول الأوروبية.
لاحظ السفير الأمريكي رئيس الوفد في نيروبي نشاطنا ذلك، ورتّب لقاء عفويا معي في ممرات القاعة، وقال لي:
إنّني ألاحظ نشاطكم وأثمّنه، وقد أبلغت واشنطن بذلك، ولكن الجواب الذي جاءنا، أنّ الولايات المتحدة يجب أن تقف ضد المشروع وستطلب التصويت عليه.
قلت له ولكنك تلاحظ أننا حصلنا على شبه إجماع، قال: نعم، ولكننا سنصوت وحدنا ضد مشروع قراركم.
في برنامج الأمم المتحدة تمر في العادة جميع القرارات بتوافق الآراء ونادرا ما يتم التصويت على مشروع قرار. وكان مشروع قرارنا هذا من المشاريع النادرة التي تم التصويت عليها بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية.
وعندما طرح المشروع للتصويت كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي صوتت ضد مشروع هذا القرار، وهذا نصّه:
مشروع القرار الأردني الذي يرمي إلى إقامة قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت
مقدم من المجموعة العربية والمجموعة الآسيوية
الدورة الحادية عشرة – نيروبي – 11-24 أيار 1983
إنّ مجلس الإدارة
إذ يشير إلى قراري الجمعية العامة 360 المؤرخ في 16كانون الأول \ ديسمبر 1981 ، و 372 المؤرخ في 16 كانون الأول \ ديسمبر 1982،
وإذ يضع في اعتباره إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية (ستوكهولم، 1982) وإعلان نيروبي لعام 1982، المتعلق بحماية البيئة وتحسينها،
وإذ يدرك أنّ القناة المقترحة والتي ستقام جزئيا في قطاع غزة، الإقليم الفلسطيني المحتل في 1967، سوف تنتهك مبادئ القانون الدولي وتضر بمصالح الشعب الفلسطيني،
وثقة منه بأنّ القناة التي تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت، إذا نفذتها إسرائيل، ستتسبب في إلحاق أضرار مباشرة، خطيرة، ومؤذية، يتعذر إصلاحها، للإنسان وبيئته في الأردن، ولحقوق الأردن ولمصالحه الحيوية المشروعة في الميادين الاقتصادية، والزراعية، والديمغرافية، والايكولوجية،
1- يحيط علما بتقرير المدير التنفيذي.
2- يكرر تأكيد طلب الجمعية العامة في قرارها 372 المؤرخ في 16 كانون الأول\ديسمبر 1982، بألّا تقيم إسرائيل هذه القناة، وبأن توقف على الفور جميع الأعمال و\أو الخطط التي قامت بها من أجل تنفيذ هذا المشروع.
3- يشير إلى نداء الجمعية العامة الموجه في القرار نفسه إلى جميع الدول، والوكالات المتخصصة، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، بألّا تساعد، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الإعداد لهذا المشروع وتنفيذه.
4- يرجو من المدير التنفيذي أن يسهل أعمال الأمين العام للأمم المتحدة في الرصد والتقييم، على أساس متواصل، لجميع الجوانب – وخصوصا الأيكولوجية – المتعلقة بالآثار غير المواتية المترتبة بالنسبة للأردن والأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس، على تنفيذ القرار الإسرائيلي الذي يرمي إلى إقامة هذه القناة، وكذلك في إعداد تقرير الأمين العام الذي سيعرض على الجمعية العامة في دورتها الثامنة والثلاثين، وأن يقدم إلى مجلس الإدارة في دورته الثانية عشرة، هذا المقرر.
توقف المشروع الصهيوني: المتوسط، الميت
بعد أن أنهت إسرائيل دراساتها ومخططاتها للمشروع، شكّلت شركة سمّيت بــ )شركة البحر المتوسط- البحر الميت)، واحتفلت بوضع حجر الأساس، وباعت سندات إسرائيلية في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وباشرت التنفيذ عام 1983، وبدأت بحفر النفق من جهة البحر الميت قرب مسعدة.
إلّا أنّه ثبت لها بالوجه القطعي أنّ المشروع غير مجدي اقتصاديا، وبناء على ذلك قررت إيقاف المشروع بصورة نهائية.
وبالعقلية اليهودية الصهيونية الاقتصادية التي تجيد حسابات الربح والخسارة، وبدعم أمريكي واضح، قرروا على ما يبدو تحويل المشروع إلى الجانب الأردني، حيث يطمعون وبضغط أمريكي أن يموّل عرب النفط المشروع، ويجنون هم الثمار. وهذه الفلسفة لخصها تشرشل بعبارة مشهورة، تقول:
“الحرب يخطط لها الأذكياء، وينفذها الأغبياء، ويجني ثمارها الجبناء”
الحوار مع الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر حول القناة
في بداية التسعينات وقبل توقيع اتفاقية وادي عربة، زار الرئيس الأمريكي الأسبف كارتر الأردن، داعيا لاتفاقية السلام ومبشرا بها، وكنت من بين المدعوين لإجراء الحوار معه على مائدة الغداء. قلت لكارتر: إنّك رجل بيئي معروف، وقد كرّمك برنامج الأمم المتحدة UNEP للبيئة، باعتبارك واحدا من البيئيين الخمسمائة في العالم، فكيف قبلت أن تقوم الولايات المتحدة -عندما كنت رئيسا لها- بالتصويت منفردة ضد قرار المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة حول مشروع القناة الإسرائيلية، علما أنّك تدرك كرجل بيئي مشهود له، حجم الأضرار البيئية للمشروع؛ من إخلال بعناصر التوازن البيئي لمياه البحر الميت، وتغيير لتركيبها الكيماوي والحيوي، وتلويث هذه المياه بالمخلفات الصناعية والمشعة، وإيصال الأحياء البحرية إلى البحر الميت، وبذلك تغيير بيئته التي تفرد بها على جميع بحيرات العالم وعلى مدى التاريخ؟
أمّا إجابة كارتر فقد كانت: “لماذا يجب أن يكون هذا المشروع مشروعا إسرائيليا؟ ولماذا لا يكون مشروعا مشتركا بين الأردن وإسرائيل؟ وبدلا من أن تمر القناة من البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي الإسرائيلية فهناك بديلا لهذه القناة وهي قناة تصل البحر الأحمر وخليج العقبة بالبحر الميت، ويكون مسارها بين الأردن وإسرائيل، ويستفيد منها الطرفان؟” (سفيان التل-قناة وثلاثة بحور-مجلة العربي- العدد 514 سبتمبر 2001).
على ما يبدو أن تصريح كارتر هذا لم يأت من فراغ، إذ إنني وجدت على شبكة الإنترنت دراسة حالة قناة البحر الأحمر- البحر الميت.
Case studies no 429 – red –dead sea canal
ومن ضمن ما ورد في هذه الدراسة أنّ شركة هارزا الأمريكية في شيكاغو استمرت بدراسة هذه القناة من بداية الثمانينات وحتى سبتمبر عام 1996.
قناة البحر الأحمر- البحر الميت
بعد ذلك بدأنا نحس أنّ انقلابا سياسيا في موقف الأردن سيبدأ أو قد بدأ فعلا.
ففي عام 1994، وقعت اتفاقية وادي عربة، وبدأت الجهات السياسية في الأردن تسرب شيئا فشيئا رغبتها بتبني فكرة قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وبمشاركة إسرائيل، وبهدف إنقاذ بيئة البحر الميت، خلافا لكلّ ما سبق وقلنا في أروقة الأمم المتحدة وحشدنا العالم من أجله.
في مؤتمر قمة الأرض للبيئة والتنمية والذي انعقد في جوهانسبرغ عام 2002، أعلنت الأردن والكيان الصهيوني رسميا في مؤتمر صحفي مشترك، تعانق خلاله الوزير الأردني باسم عوض الله مع الوزير الإسرائيلي أمام الصحفيين ووسائل الإعلام. وكان أحد أعضاء الوفد الأردني الرسمي قد دعاني لحضور المؤتمر الصحفي، وكنت آنذاك أمثّل منظمات غير حكومية، وعندما أردت دخول القاعة التي كان يعقد المؤتمر الصحفي فيها، منعت من قبل الحرس من الدخول، حيث كانت التعليمات قد صدرت بعدم الدخول إلّا لرجال الإعلام المدعوين لهذا المؤتمر فقط. وخاصة أنّ المجموعة العربية هناك قد أبدت استياءها الواضح من هذا التصرف، وأعلنوا مقاطعتهم الاجتماع. وأنا اعتقد أنّ من حقّهم ذلك؛ لأنهم يرون أنّ الأوامر الأردنية التي تصدر عادة في الأردن لتغيير الاتجاه والمسيرة، يجب أن لا تنطبق عليهم. فقد استعانت بهم الأردن في جامعة الدول العربية ومؤتمرات الدول الإسلامية وكافة أروقة الأمم المتحدة؛ للوقوف ضد المشروع، وقد لبّوا مشكورين النداء. فكيف يمكنكم تصور موقفهم وقد طلب منهم عكس اتجاه المسيرة.
أشارت التصريحات الأردنية إلى أنّ الدراسة التي قامت بها شركة هارزا الأمريكية بعد اتفاقية وادي عربة (وهذا خلافا لما أوردناه من أنّ الشركة قد بدأت دراسة القناة منذ بداية الثمانينات وانتهت عام 1996).
ومهما يكن الأمر وحسب التصريحات الأردنية، فسوف تفتح قناة بطول 12 كم على الحدود بين العقبة وايلات، تنقل حوالي 64 متر مكعب من المياه في الثانية، كما سيتم إنشاء محطة ضخ من منسوب مستقر إلى منسوب 126 متر فوق مستوى سطح البحر، وسيتم مدّ خط أنابيب بطول 180 كم حتى الساحل الشرقي للبحر الميت (التصريح الأردني، قال: مقابل الساحل الغربي للبحر الميت)، وسوف تسقط المياه هناك من ارتفاع 100 متر فوق سطح البحر الميت إلى منسوب 400 متر تحت سطح البحر، حيث سيتم توليد الطاقة، والتي سوف تستخدم في المرحلة الثانية لتحلية المياه.
أمّا المرحلة الأولى فسوف يتم تنفيذها حسب التصريحات بكلفة تقدر بمليار دولار، تقدم بشكل منح. إلّا أنّ وزير المياه الحالي السيد حازم الناصر صرح خلال وجوده في دبي في الندوة الاستثمارية والتي ترأسها دولة رئيس الوزراء الأردني فيصل الفايز: إنّ مشروع القناة من أهم المشاريع المطروحة للاستثمار والبالغة كلفتها 3.5 مليار دولار (الرأي 14 تموز 2004).
ولا تتضمن المرحلة الأولى تحلية المياه، إذ إنّ المياه المحلاة لن يستفيد منها الأردن قبل ثماني سنوات من بدء التنفيذ، إذا استطاع الأردن الحصول على منح لتنفيذ الخط الناقل. وبحساب كلفة هذا الخط فسوف يكلف المتر المكعب الواحد من المياه دولارا واحدا.
وهناك مصادر أخرى على الإنترنت، تقول: سوف يستفاد من قوة سقوط المياه لدفع مياه البحر إلى غشاء لتوليد المزيد من المياه العذبة. كما يمكن الاستفادة من قوة السقوط هذه لتحلية المياه بواسطة التناضح العكسي.
وتتناقض تصريحات الجانب الأردني عن المنح عندما يقولون أنّ المشروع سينفذ من قبل شركات على نظام تأمين التمويل والبناء والتشغيل ونقل الملكيةBOT، على أن تسترد كلفتها خلال 20 إلى 25 عاما، ثمّ يؤول المشروع إلى صاحب العمل.
ويعتقد الجانب الأردني أنّ هذا المشروع سيحل المشكلة المائية في الأردن حتى عام 2035، حيث سيوفر 570 مليون متر مكعب من المياه سنويا للأردن، و270 مليون متر مكعب سنويا للسلطة الفلسطينية وإسرائيل. (الرأي 13-7-2003)
خطر القناة على تملح المياه الجوفية العذبة
بالإضافة إلى الأخطار التي تحدثنا عنها عند الحديث عن قناة المتوسط – الميت، فإنّ هناك خطرا جديدا لقناة الأحمر – الميت. فبدون أدنى شكّ سيكون تسرب مياه البحر المالحة من القناة لأي سبب كان، سواء كان سوء مصنعية، أو تصدع أو تشقق ناتج عن انزلاقات الجبال والصخور أو الزلازل أو التخريب المتعمد سيؤدي إلى كارثة تملح المياه الجوفية في وادي عربة. وإذا كان رأينا هذا غير مقبول في بلادنا فلعلهم يقبلوا هذا الرأي الإسرائيلي، يقول البروفيسور (ايلياهو روزن تال) خبير مياه ومحاضر في جامعة تل أبيب (نقلا عن صحيفة هاآرتس الإسرائيلية) في معرض حديثه عن حفر قناة مياه في محور فيلادلفي، تضخ لها المياه من البحر المتوسط؛ لتقيم حاجزا أمنيا على الحدود بين مصر وقطاع غزة وتمنع قيام الأنفاق، يقول:
“إنّها كارثة بيئية، لم يفكر الذين اقتحوا شقّ هذه القناة الغريبة بعدة أبعاد هامة جدا، منها؛
تكلفة شق القناة والعمل على استقرار محتوياتها ستصل إلى ملايين الشواكل؛ بسبب قدرة الامتصاص العالية للطبقات الرملية، وسيستوجب الأمر الدفع بكميات هائلة من مياه البحر من أجل تعبئة جميع الطبقات الرملية السفلية من أجل إيجاد قناة عريضة وعميقة ومستقرة لا تتوفر أي إمكانيات لاجتيازها. سيشكل شقّ القناة الجديدة عملا بربريا وحشيا حيال سكان المنطقة، وفي نهاية المطاف كميات هائلة من المياه العذبة بهدف غسل بقايا المياه المالحة وتنقية آبار المياه الجوفية. وكما هو معروف فإنّه لا توجد ولن توجد في جنوب البلاد مصادر مياه عذبة تسمح بالقيام بهذه المهمة. (صحيفة الرأي الأردنية 5-6-2004)
وإذا تذكرنا أنّه خلال اعتداءات الكيان الصهيوني على الأردن ما بين عامين 1968 -1970، كانت قوات العدو قد قصفت قناة الغور الشرقية، وتسربت مياهها إلى وادي الأردن، وبقيت فترة طويلة من الزمن معطوبة تسرب المياه، إلى أن نزل السفير الأمريكي إلى الموقع ورفع العلم الأمريكي وأعطى الضوء الأخضر لبدء عملية الإصلاح.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما الذي يمنع أن تتكرر الحادثة وتتفجر أنابيب قناة الأحمر- الميت، الحاملة للمياه المالحة؟ وبغض النظر عن أسباب التفجير أو من وراءه، فإنّ كمية المياه والمقدر من الجانب الأردني بــ 64 مترا مكعبا في الثانية، وهذا يساوي أكثر من ربع مليون متر مكعب في الساعة، أو 2.76 مليون متر مكعب يوميا. إنّ هذا يعني ببساطة أننا سنخسر كلّ مياهنا الجوفية العذبة في وادي عربة، آخذين بنظر الاعتبار طبيعة التربة الرملية وقدرتها العالية على الامتصاص.
يضاف إلى ذلك أنّ اتفاقية وادي عربة قد تنازلت عن آبار المياه الواقعة في الأراضي الأردنية إلى الكيان الصهيوني حسب نصّ:
“المادةIV المياه الجوفية في وادي عربة \ منطقة هاعرفا
وبموجب معطيات هذه المعاهدة، فإنّ بعض الآبار التي حفرتها واستعملتها إسرائيل وكذلك أنظمتها، ستقع على الجانب الأردني من الحدود. إنّ هذه الآبار وأنظمتها المرافقة تخضع للسيادة الأردنية وستستمر إسرائيل باستعمال هذه الآبار والأنظمة بالكميات والنوعية الموضحة في ذيل هذا المرفق الذي سيتم إعداده إعدادا مشتركا بحلول 30 كانون الأول 1994. ويمتنع على أي بلد من اتخاذ أو السماح باتخاذ أيّ إجراء من شأنه أن يؤثر بشكل ملحوظ في تقليل إنتاج هذه الآبار أو في نوعيته”
إنّ أيّ تخريب في هذه القناة حتى وإن كان مرتبا، سيعتبره الكيان الصهيوني عجزا أردنيا عن تنفيذ نصوص المعاهدة، ومبررا لاحتلال الجبال الشرقية الذي تحلم إسرائيل بالسيطرة عليها منذ زمن بعيد.
الاعتبارات السياسية اللازمة لاستخلاص النتائج
أولا: الاعتبارات المحلية
عند الحديث عن الاعتبارات السياسية الازمة لاستخلاص النتائج، لا بدّ لنا من تحديد الأطر السياسية التي يتحرك خلالها الحكم في الأردن، فبدون ذلك يصعب علينا تحليل المشكلة وفهم دوافعها واستخلاص النتائج المتوقعة.
الاعتبار المحلي الأول ـ تغيير الاتجاه
إذا قيل عن سوريا أنّها مشهورة بكثرة الانقلابات العسكرية، فأنا أزعم أنّ الأردن مشهور بكثرة الانقلابات السياسية، وفي معظمها ينقلب النظام على نفسه، ويغير المسيرة والاتجاه بــ 180 درجة، ثمّ يطالب كافة شرائح الأمة؛ مدنييها وعسكرييها، علمائها وجهلائها، مفكريها ورعاعها، أن يغيروا المسيرة والاتجاه معه، وأن يؤمنوا فورا بالاتجاه الجديد ويصفقوا له، إلى أن يحين موعد الانقلاب السياسي الأجد. وهذا ما اسمح لنفسي بتلخيصه على أنّه أمر عسكري واحد يصدر إلى شعب بكامله خلاصته (إلى الخلف در).
ولتعزيز زعمي هذا اسمحو لي أن استشهد برأي سياسيّ محترف، صاحب رأي وفكر جريء، سجّل رأيه وتجربته في كتابه (مجتمع الكراهية)، رئيس الوزراء الأردني الأسبق سعد جمعة رحمه الله، إذ يقول عن أنظمتنا:
أنا أقتبس:
“التي تحرك الناس من النقيض إلى النقيض دون اختيار”
“التي يجب أن يكون المواطن فيها معدّا اليوم لنقيض ما قيل له بالأمس مع ضرورة إيمانه بالنقيضين”
“التي تقهر المواطن على اعتناق على ما يريد وعمل ما لا يحسن وقول ما لا يؤمن به”
“التي تحمل الناس حملا على الكذب والجريمة”
“التي يضطر فيها المفكرون أن يقولوا ما يقوله القادة والوزراء خشية إرهابهم”
“التي تنتحل صناعة الفكر أكثر من المفكرين”
“التي تقترف الجرائم ثمّ تبررها”
“التي تدعي معرفة إرادة الناس قبل أن يعبروا عنها”
“التي يتاح فيها للجبان ما لا يتاح للشجاع ويملك فيها الجاهل ما لا يملك العالم”
“التي تصدر قوانين رديئة ولا تستطيع أن تصنع أحذية رديئة”
“التي تكون فيها القاعدة هي الفساد والشذوذ هو الصدق والإخلاص”
“أنظمة مهزوزة، ومجتمع فاسد ومواطن ضائع”(سعد جمعة ـ مجتمع الكراهية)
انتهى الاقتباس
ولقد تكرر هذا الانقلاب السياسيّ في كثير من المراحل الحساسة في تاريخ هذا البلد، وعلى سيبل المثال لا الحصر: فبعد أن كنّا كلّنا ضد إسرائيل، أصبح مطلوب منّا أن نصبح مع إسرائيل. وبعد أن وقفنا مع إيران أصبحنا مطالبين بأن نقف ضد إيران. وبعد أن وقفنا مع صدام أصبحنا مطالبين أن نقف ضد صدام، وقس على ذلك.
وهكذا بعد أن وقفنا كلّنا ضد مشروع القناة لأنها تدمر بيئة البحر الميت، وحشدنا العرب والعالم لذلك، أصبح مطلوب منّا أن نقف الآن مع القناة لأنها إنقاذ لبيئة البحر الميت.
الاعتبار المحلي الثاني: نظام الحزب الواحد
فالأردن بلد يحكم بنظام الحزب الواحد، وإن كان هذا الحزب غير مرخص رسميا كحزب، إلّا أنّه حزب الأجهزة الأمنية الذي يختار، ثمّ يتبنّى، ثمّ يدرب ويخرج، ثمّ يلمع ويخترق ويحتل المراكز القيادية، ويقرّر الاتجاهات والسياسات والتشريعات.
وأنا لا أذيع سرّا فيما أقول، ولكنني أعزز زعمي هذا بتصريح الملك حسين رحمه الله، حيث قال أنّه يملك أكبر حزب في البلاد، حزب الجيش والأجهزة الأمنية.
الاعتبار المحلي الثالث ـ بيع مقدرات الأمة
أو كما يسمّى بالتعبير السياسيّ الحديث؛ الخصخصة. وهكذا بدأنا في البيع، فبعنا البنيان الأساسيّ للأمة؛ كالماء والكهرباء والاتصالات والإسمنت والبوتاس وقريبا الفوسفات. ويتم البيع إلى شركات أجنبية، يقال أنّها ليست إسرائيلية أو صهيونية.
والأدهى من ذلك والأمر أنّنا أخذنا ببيع القوى البشرية الظاهرة منها والخفية. ولتعزيز زعمي هذا، اسمحوا لي أن أستشهد برأي الصحفي الأمريكي المشهور، والذي كشف فضيحة وترجيت، حيث يقول (BOBWOODWARD) في كتابه (PLAN OF ATTACK) خطة الهجوم، وعلى الصفحتين 111 و112 وفي معرض حديثه عن زيارة وتهيئة عدد من الدول العربية لخطة الهجوم على العراق، يقول:
“في الأردن وجد (تنت وفرانكس) تعاونا غير عادي (EXTRAORDINARY) وكان (تشيني) (نائب الرئيس الأمريكي) محظوظا في الأردن، حيث وجد أنّ (تنت) قد اشترى فعليا جهاز المخابرات الأردنية. ولا بأس أن أقدّم لكم النصّ كما ورد في الإنجليزية:
”Cheney was in luck in Jordan where Tenet had virtually bought the GID (The Jordanian Intelligence Service) less so in Egypt . Where president Hosni Mubarak was resistant”
وكشاهد آخر على سياسة بيع الأرض والقوى البشرية، لا بدّ من الاستشهاد ببيت شعر لعرار، قيل قبل حوالي 60 عاما:
باعوا البلاد وحضرتي وجنابكم لاكن بلا ثمن إلى حاييم
وشاهد ثالث على البيع، معاصر ومن رجال الدولة وسفرائها، أخي وصديقي الشاعر حيدر محمود، والذي نشر في صحيفة الرأي الغرّاء بتاريخ 18-7-2004 قصيدة جاء فيها:
والوطن وراء الوطن يضيع
والزمن وراء الزمن يضيع
والكل يبيع
حتى من لا يملك صار يبيع
ويسيل نجيع بعد نجيع
ثانيا: اعتبارات سياسية إقليمية ودولية
قناة السويس
لربط اليوم بالأمس أود أن أذكركم فقط وكلكم تعرفون أنّ قناة السويس قامت كشركة تملكها الدول المستعمرة للمنطقة (أي شركة مخصخصة وإن لم يكن الاصطلاح شائعا في ذلك التاريخ). وأنّها عمليا بيعت من قبل حكام مصر في ذلك التاريخ. وأنّ إعادة القناة إلى السيادة المصرية بعد سقوط فاروق وقيام الثورة قد كلّف البلاد حربا ضروسا، هي حرب عام 1956، والتي اشتركت فيها كلّ من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وسمّيت بحرب السويس.
إنّ علينا أنّ نتصور من الآن أنّه إذا ما تمّ خصخصة أو بيع مشروع قناة البحر الأحمر- الميت، فإنّها ستخرج من تحت السيادة الأردنية، وإنّ إعادتها إلى السيادة ستكلف الأجيال القادمة حربا لا محالة.
قناة بنما
ولنذكركم أيضا بقناة بنما، أقول: إنّ الولايات المتحدة عندما عرضت على الدولة التي كانت تحكم تلك المنطقة فكرة القناة أدرك مفكروها مخاطر الفكرة على البلد ورفضوا العرض الأمريكي. إلّا أنّ أمريكا اشترت شيخا في المنطقة المخصصة لحفر القناة ودعمته لعمل انقلاب وإعلان استقلال منطقته، واعترفت بعد ذلك به كدولة مستقلة، ثم وقّعت معه اتفاقية حفر قناة بنما. وعندما حاول (نورويجا) وعند انتهاء فترة الاتفاقية أن يشقّ عصى الطاعة على الولايات المتحدة، اجتاحت الأخيرة بنما، وفعلوا بنرويجا ما فعلوه بصدام، وجاء بعد ذلك من يؤمر فيطيع.
موقف السلطة الفلسطينية من قناة البحر الأحمر-الميت
في المؤتمر الدولي لإدارة الموارد المائية الذي انعقد ما بين 30-5 إلى 3-6 -2004، على شاطىء البحر الميت في الأردن، قال نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية المهندس فضل كعوش، أنّ السلطة تتحفظ على مشروع قناة البحرين الأحمر- الميت، حتى لا يؤثر ذلك على الحقوق المائية أو الاتفاقات المرتبطة بالحل الدائم. وأعرب عن المخاوف الفلسطينية في أن يقوم الجانب الإسرائيلي باستغلال الموافقة على المشروع باتجاه الانتقاص من الحقوق المائية الفلسطينية. لكنّه أكد إذا كان المشروع لا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقّ تقرير مصير الشعب الفلسطيني وحقوقه فإنّ السلطة لن تمانع من تنفيذه.
كما تبين أّن الجانب الإسرائيلي يتحفظ على الطرح الفلسطيني بحجة أنّ المشروع فنيا وبيئيا وليس سياسيا. وطلب حذف أيّة عبارات تتعلق بحقوق المشاطئة وطلب باستبدالها بأطراف مستفيدة.
وقد أبلغ الجانب الأردني بالموقف الفلسطيني هذا، كما أنّ نسخة البنك الدولي للشروط المرجعية قد عدّلت ثلاث مرات إلى أن احتوت النسخة الرابعة على هذه التحفظات. علما أنّ الحوار قائم منذ عام 2003 (الرأي 1-6-2004)
رأي مصري في المشروع
في مصر هاجمت الصحافة المشروع بشدة، ظنا منها أنّ المشروع عبارة عن قناة ستنافس قناة السويس. إلّا أنّ وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور محمود ابو زيد قال خلال وجوده في مؤتمر الموارد المائية، أن مصر تدعم مشروع قناة البحرين، وأنّه لصالح دول المنطقة، وليس له أيّة تأثيرات سلبية على قناة السويس، وأكد استعداد مصر للتباحث مع المسؤولين الأردنيين للمساعدة في تنفيذ المشروع، وأنّ ما يثار في الصحافة حول المشروع غير دقيق ولا يؤثر على موقف الحكومة المصرية. (الرأي 1-6-2004)
وهكذا نرى أنّ مصر والسلطة الفلسطينية وكلاهما وقّعا اتفاقيات سلام مع إسرائيل أخذتا بالإعلان عن موافقتهما على المشروع بشروط أو بلا شروط.
بدائل المشروع
سوف أوفر عليكم طرح سؤال هام، هل هنالك بديل للمشروع؟..
حسب رأيي المتواضع أعتقد أنّ هناك مشروعين يشكلان بدائل لمشروع قناة الأحمر- الميت.
الأول: محطة تحلية
إقامة محطة تحلية خاصة بالأردن في خليج العقبة، علما أنّ محطات التحلية لها وظيفتان؛ تحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية، وبما أننا سنعمل على نقل مياه الديسي إلى عمان فبإمكاننا أن نصمم الخط الناقل لنقل المياه المحلاة أيضا. وبذلك فنحن لا نحتاج لخطين ناقلين للمياه؛ الأول شرقي الجبال والثاني غربها.
الثاني: مشروع السد الأخضر
وكما طرحنا هذا المشروع قبل حوالي عشرين عاما، فإنّه يقوم على أساس الاستفادة من مياه الأمطار في البادية الشرقية، حيث يبلغ المعدل السنوي طويل الأمد لهطول الأمطار 8 مليار متر مكعب سنويا (8000 مليون متر مكعب سنويا).
إنّ مشروع القناة الأحمر – الميت، سيؤمن للأردن حوالي نصف مليار متر مكعب سنويا (570 مليون)، فلو استطعنا الاستفادة من ثمن 8/1 المياه الساقطة على البادية الشرقية، لحصلنا على مليار متر مكعب سنويا أو ضعف ما ستوفره القناة، وبتكلفة أقل بكثير من تكلفة القناة.
ولتذكيركم فإنّ السقوط المفاجىء للأمطار على البادية الشرقية يشكل سيولا جارفة، أحدثت عدة فيضانات كارثية في الأردن، عاش جيلنا ثلاثة منها:
– الفيضان الذي اجتاح مدينة معان عام 1966، وهدم حوالي 200 منزل، وقتل رقما مشابها من الناس.
– الفيضان الذي اجتاح البتراء، وداهم فوجا سياحيا فرنسيا في السيج وقتل بعضهم.
– الفيضان الذي اجتاح المنطقة من أسفل رأس النقب وحتى العقبة، وجرف معظم أجزاء الطريق ودفن الشاحنات في الرمال.
لذا فنحن متأخرين جدا في عمل دراسة لإقامة مئات الحواجز والمصاطب والسدود المائية، والتي ستعمل على زيادة المخزون الجوفي وتخضير البادية وتنمية الثروة الحيوانية وخلق تجمعات سكانية.
وأقول: إنّ سوريا أنشط منّا كثيرا في هذا المضمار حاليا. كما أنّ اليمن كان يوما ما يمنا سعيدا بمثل هذا المشروع.
رفع مستوى سطح البحر الميت
أمّا رفع مستوى منسوب البحر الميت فيجب ألّا يتحمّل الأردن مسؤولية ذلك، ومن الضرورة التركيز على تحميل إسرائيل مسؤولية تراجع مستوى البحر الميت نتيجة تحويل مجرى نهر الأردن.
فقبل التحويل كانت المياه تنساب من بحيرة الميت شمالي اللسان والتي عمقها 330 مترا إلى البحيرة جنوبي اللسان والتي عمقها 6 أمتار فقط وجفت الآن.
إنّ قرارا من محكمة العدل الدولية، مثلا؛ كالقرار الخاص بجدار الفصل العنصري يعزز موقفنا في العالم بدلا من أن نقترح الحلول على حسابنا لتجاوزات الكيان الصهيوني.
قناة البحرين ــ الخلاصة
د. م. سـفـيـان الـتـل
طرحت إسرائيل مشروع قناة المتوسط-الميت وأنهت تصاميمها وباشرت التنفيذ. وقد وقف الأردن ضد المشروع لأسباب كثيرة؛ بيئية واقتصادية واجتماعية وقانونية. واستجابت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات والدول العربية والإسلامية لطرح الأردن وتحركه، وأدانت المشروع وطلبت وقف تنفيذه، كما طلبت من جميع دول العالم ومنظماته الحكومية وغير الحكومية عدم المساعدة في تنفيذ المشروع.
إلّا أنّ إسرائيل توقفت عن تنفيذ المشروع بعد ثبوت عدم جدواه الاقتصادية، علما أنّ تكلفته لا تتجاوز 1,5 مليار دولار.
استمرت الولايات المتحدة بدعم موقف إسرائيل والتصويت إلى جانبها في أروقة الأمم المتحدة، وطرحت مشروع قناة البحر الأحمر – البحر الميت، كبديل للمشروع الأول، وبهدف تحميل الدول النفطية تكاليف المشروع.
تبنّت الأردن المشروع، وأخذت تسوّقه على أنّه إنقاذ لبيئة البحر الميت، خلافا لكلّ ما سبق وطرحته عن مشروع المتوسط-الميت، الذي يدمر بيئة البحر الميت.
تطرح الأردن المشروع بتكلفة 3,5 مليار دولار؛ لتامين مياه محلاة، وتوليد طاقة، ورفع منسوب البحر الميت.
إنّ جميع التأثيرات الفنية التي ورد ذكرها في مشروع المتوسط- الميت، والتي تبناها الأردن في الأروقة الدولية والناتجة عن رفع منسوب البحر الميت، سوف تكوّن تأثيرات سلبية على مشروع الأحمر- الميت أيضا، وهي:
إغراق أراضٍ أردنية، وغمر منشآت ومواقع سياحية وأثرية. إغراق أجزاء من طريق غور الصافي العقبة. إغراق منشآت البوتاس. التأثير سلبا على مشاريع سلطة المصادر الطبيعية. احتمال تزايد النشاط الزلزالي. بالإضافة إلى الأضرار البيئية؛ كتحويل البحر الميت إلى بحر حيّ، واختلال التركيز الكيماوي، وانخفاض تركيز الأملاح، واستغلال الصخر الزيتي، والتأثير على المياه الجوفية العذبة شرقي البحر الميت ودفعها بمعدل 484 مليون م3 سنويا إلى السطح.
وبالإضافة إلى كلّ ما سبق فسوف يضاف عنصر جديد، مثل؛ احتمال انفجار القناة لأسباب طبيعية أو تخريبية، وتسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية وتلويثها والقضاء على المياه العذبة والمشاريع الزراعية في وادي عربة والمنطقة.
بالإضافة إلى الأسباب الفنية فهناك مجموعة من الأسباب السياسية التي يمكن تلخيصها كالتالي:
1- سيتم تنفيذ القناة على اعتبار أنّها مشروع إسرائيليّ أمريكيّ سيقام على أرض أردنية ليخدم السياسة الأمريكية في دعم إسرائيل، وتوسيع رقعتها على حساب الأردن بالاجتياح السلمي الذي بدأ باتفاقية وادي عربة.
2- بعد أن أصبحت إسرائيل دولة معترف بها من الأردن ستحصل بموجب هذا المشروع وما يترتب عليه من اتفاقيات على حقوق دولية جديدة في الشاطىء الشرقي للبحر الميت، ووادي عربة، وجباله الشرقية، حيث يمر خط المياه، وفي خليج العقبة حيث يبدأ ضخ المياه من هناك.
3- حيث إنّ إسرائيل ستكون شريكة في المشروع ولها حصة في المياه المالحة والمحلاة والطاقة المولدة، أي أننا سنجعل جزءا من مصادر المياه والطاقة الإسرائيلية في أرض أردنية، فإنّه بالتالي سيكون لإسرائيل الحقّ بادعاء حماية القناة من (الإرهابيين) أو أيّة أعمال تخريبية متوقعة، والتي يمكن أن تصطنعها إسرائيل في أي وقت؛ لتبرير خطة لاحتلال الشاطىء الشرقي للبحر الميت والجبال الشرقية لوادي عربة (كما احتلت الجولان).
4- عندما وقعت اتفاقية وادي عربة تسرب إلينا أنّ الاتفاقية تنصّ على إقامة مطار مشترك في العقبة لخدمة الطرفين، وعلى الطريقة الصهيونية التي تقرض قرص الجبنة بالتدريج، وعلى مهل، ولكنها تقرضه كاملا. تحوّل مطارنا في العقبة إلى المطار الذي يخدم إسرائيل، واختفت قصة المطار المشترك.
ومن هذا المنطلق علينا أن نتطلع إلى مشروع قناة الأحمر- الميت بنفس الروح، فبداية سيقال أنّه مشروع مشترك، وفي النهاية سيصبح مشروعا إسرائيليا، إمّا بقوة السلاح أو بقوة الشراء والخصخصة.
5- كما باع الأردن الإسمنت والبوتاس وسيبيع الفوسفات بأسم الخصخصة، فسوف يباع الصخر الزيتي والذي يملأ أراضي اللجون. وسوف يكون اللجون هدفا إسرائيليا مؤكدا، وخاصة أنّ استغلال الصخر الزيتي كان أحد أهداف المشروع الإسرائيلي المتوسط- الميت. وحيث إنّ اللجون قريبا من خط القناة فسوف يكون رأس المال الصهيوني ظاهرا أو خفيا هو المشتري. وسيتم التصنيع على أراضٍ أردنية وبأيد عاملة أردنية وقوى بشرية حامية له رخيصة التكاليف. حيث تستنزف إسرائيل الثروات والديار وتجني الثمار، وتترك لنا التلوث والغازات السامة التي سبق وأشرنا إليها. بينما يبقى الصخر الزيتي في الأراضي المحتلة مخزونا استراتيجيا لإسرائيل وأمريكا.
6- ستتم محاولات لحشد الأرصدة العربية لتمويل المشروع، بالرغم من أنّ التوجه العام لدى الدول العربية حاليا هو مقاومة هذا المشروع، ولا ندري إلى أيّ حدّ تستطيع الدول العربية أن تقاوم الضغط الأمريكي.
7- ضمن موجة الفساد الكاسح التي تهيمن على الأردن، ستكون تكلفة المشروع تكلفة مبالغ فيها، مثلها مثل كلّ المشاريع الحكومية التي فشلت لأن تكاليف تأسيسها كانت عالية جدا. وكنتيجة حتمية، ثبت عدم جدواها الاقتصادية وتمّ تفكيكها، وبعضها سددت (الخزينة) دافعي الضرائب ديونه. وبالمحصلة النهائية ستضاف الخسائر إلى المديونية، وعلينا أن نهيئ أحفادنا لسداد مديونية طويلة المدى ومتنامية.
هناك بدائل للمشروع، وهي إنشاء محطة تحلية خاصة في الأردن في خليج العقبة، وتصميم أنبوب المياه الذي سينقل مياه حوض الديسي إلى عمان بحيث يمكن ضخ مياه الديسي والمياه المحلاة بواسطته.
كما أن تنفيذ السد الأخضر وهو مشروع يعتمد على الاستفادة من مياه الأمطار التي تهطل على البادية الشرقية بمعدل هطول سنوي طويل المدى يساوي 8 مليار متر مكعب سنويا، يتبخر معظمها أو يشكّل فيضانات مدمرة، سبق وأن اجتاحت معان والبتراء ووادي اليتم وهدمت المنازل وجرفت الطرق وتركت خلفها مئات القتلى. ولو تمّ الاستفادة من ثُمن (8/1) هذه المياه عن طريق بناء مئات الحواجز والمصاطب والسدود لحصلنا على ضعف ما هو مخطط أن نحصل عليه من قناة الأحمر-الميت. إضافة إلى أننا يمكن أن نغذي المياه الجوفية وننمي الثروة الحيوانية ونخضر البادية ونخلق تجمعات سكانية وبتكلفة أقل.